• تصعيد متبادل بين طهران وواشنطن ولا بوادر على حل وشيك للأزمة
    تصعيد متبادل بين طهران وواشنطن ولا بوادر على حل وشيك للأزمة

القاهرة في 10 يوليو / أش أ/ تقرير شحاتة عوض ..(مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط)

شكل إعلان طهران عن بدء تخصيب اليورانيوم بمستويات مرتفعة ،تتجاوز الحد المنصوص عليه في الاتفاق النووي الموقع مع الدول الكبري ، تطورا لافتا في مسار الأزمة الحالية بين إيران والولايات المتحدة.
وفي أول رد فعل له على هذه الخطوة ، حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أن الإيرانيين "بذلك يلعبون بالنار" ، بينما حثت الدول الأوربية الكبرى الموقعة على الاتفاق النووي ، إيران على عدم المضي قدما في تلك الخطوة محذرة من العواقب التي يمكن أن تترتب عليها ، فيما أوفد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستشاره السياسي إلى طهران اليوم (الأربعاء) لإجراء مباحثات مع المسؤولين الإيرانيين لدفعهم لتجميد قرارهم باستنئاف تخصيب اليورانيوم.
وكانت إيران قد حذرت أوائل شهر مايو الماضي ، الدول الأوربية الموقعة على الاتفاق النووي معها ، من أنه إذا لم تف تلك الدول ( بريطانيا وفرنسا والمانيا ) بالتزاماتها لدعم الاقتصاد الإيراني، فإنها ستبدأ في تخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى مما هو مسموح به في الاتفاق النووي.وأملهت إيران الدول الثلاث ستين يوما للتوصل إلى صيغة لمساعدة إيران في مواجهة العقوبات الأمريكية ، وهي المهلة التي انتهت في السابع من يوليو الجاري .
وبمقتضى الاتفاق النووي الموقع بين إيران والدول الكبرى عام 2015، والذي إطلق عليه (خطة العمل الشاملة المشتركة ) ،فقد تعهدت طهران بابقاء معدلات تخصيب اليورانيوم عند مستوى 3 في المائة فقط والا تتجاوز هذه النسبة.
وقد تباينت مواقف وأراء المحللين والمراقبين السياسين حيال تلك الخطوة الإيرانية. فقد اعتبر بعض المحللين تلك الخطوة تطورا خطيرا في مسار الأزمة الراهنة بين طهران وواشنطن ، قد يؤدي لمزيد من تصعيد التوتر في المنطقة ، كما أنه يعكس حالة الانسداد الحالية أمام فرص الخروج سريعا من تلك الأزمة.
ووفقا لهذا الفريق فإن الخطوة الإيرانية بمخالفة الاتفاق النووي فيما يخص معدلات التخصيب تضع الولايات المتحدة في مأزق كبير ويضيق الخيارات أمامها ، بما قد يدفعها لمزيد من الخطوات التصعيدية .
في مقابل ذلك رأى مراقبون أخرون أن الخطوة الإيرانية، تأتي في إطار الضغوط التي تمارسها طهران على الولايات المتحدة ، ردا على تشديد العقوبات الاقتصادية الأمريكية عليها.وحسب هذا الرأي فإن إعلان طهران عن استئناف تخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى ،لا يعني بالضرورة رغبة إيرانية في تصعيد الأزمة أو الانسحاب نهائيا من الاتفاق النووي ، بقدر ما أنها محاولة للضغوط على حلفاء واشنطن الأوربيين لدفعهم لمساعدة إيران اقتصاديا في مواجهة العقوبات الأمريكية الصارمة والتي تكبد الاقتصاد الإيراني خسائر فادحة. ويستند أنصار هذا الرأي إلى أن طهران أعلنت أنه يمكن التراجع عن هذه الخطوة إذا وجدت تقدما من الدول الأوربية فيما يتعلق بالوفاء بالتزاماتها تجاه طهران ، ومساعدتها في مواجهة العقوبات الأمريكية .
وعلى ضوء ذلك فإنه يمكن النظر إلى إستخدام طهران لورقة التلويح بالانسحاب من الاتفاق النووي وقرار زيادة مستوى تخصيب اليورانيوم ، باعتباره جزءا من إستراتيجية إيرانية لإدارة الأزمة مع واشنطن عبر التصعيد المحسوب للأزمة . كما أنه يأتي في إطار الضغط على الاتحاد الأوروبي لفتح قنواته المالية لمساعدة طهران على مواجهة العقوبات الأمريكية من ناحية ، ومن ناحية أخرى استغلال العلاقة مع الدول الأوربية الكبرى كوسيط يمكن أن يمارس ضغوطا على واشنطن لاقناعها بالجلوس على مائدة المفاوضات لحل الازمة .
وفي إطار هذه الإستراتيجية الإيرانية فإن طهران ربما أرادت بخطوة استئناف تخصيب اليورنيوم ، أن ترسل رسالة اخرى لواشنطن مفادها أن لديها أوراق الضغط الخاصة ، وأن بإمكانها الرد على الضغوط الاقتصادية الأمريكية بضغوط مماثلة ،ولكن بوسائل اخرى.
فإيران ،التي تئن تحت وطأة عقوبات اقتصادية أمريكية بالغة الصرامة ، ربما تراهن أن يؤدي الإعلان عن خطوة استئناف تخصيب اليورانيوم ،وما قد يخلفه من تصاعد للتوتر في المنطقة ومن ثم المخاوف من إندلاع حرب ، إلى ارتفاع في أسعار النفط، ، وهو أمر / في حال حدوثه / يحقق عدة أهداف إيرانية في وقت واحد. فارتفاع سعر النفط سيكون ضد رغبة الرئيس ترامب الذي يمارس ضغوطا مستمرة على حلفائه في منظمة أوبك لزيادة بهدف الحفاظ على أسعار منخفضة.. في المقابل سيصب في صالح إيران، التي ترغب في تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح ، خصوصا في ظل قدرتها المحدودة حاليا على تصدير النفط ،بسبب العقوبات الأمريكية .أما ثالث هذه الأهداف فإن ارتفاع سعر النفط نتيجة الأزمة الراهنة وتطوراتها ،سيكبد اقتصادات الدول المستوردة للنفط من حلفاء واشنطن تكاليف اضافية ،وهو ما قد يشكل عاملا أضافيا لدفع تلك الدول للضغط على الإدارة الأمريكية لحلحلة الأزمة مع إيران.
ويتضح مما سبق أن الاستراتيجية الإيرانية في مواجهة الضغوط والعقوبات الأمريكية تعتمد على محورين رئيسيين :
المحور الأول هو المضي قدما في خرق شروط الاتفاق النووي ، أو الاعلان عن ذلك على الاقل، طالما أن الطرف الرئيس الثاني في الاتفاق وهو الولايات المتحدة ، قد انسحب منه بشكل منفرد قبل أكثر من عام . لكن طهران رغم ذلك تبدو حريصة على التمسك بالاتفاق النووي حتى النهاية ، وهي الرسالة التي تحرص على تأكيدها دائما على لسان كبار مسؤوليها .
المحور الثاني هو أن طهران تراهن في ازمتها مع واشنطن على عدة عوامل اهمها عامل الوقت العام الانتخابي للرئيس الأمريكي الذي أطلق حملته الانتخابية لاعادة انتخابه مجددا ،وهو ظرف يضع الكثير من القيود على خيارات ترامب في مواجهة إيران . كذلك تراهن طهران على التباين الواضح في المواقف حيال الازمة، بين واشنطن من ناحيها وحلفائها في الاتحاد الاوربي من ناحية اخرى. فالدول الأوربية ، لا سيما المانيا وفرنسا وبريطانيا ، ترفض الموقف الامريكي من الاتفاق النووي ، وتدعو الى ضرورة التمسك به .وإلى جانب مساعيها لايجاد مخرج دبلوماسي للازمة عبر زيارت بعض الوزراء الاوربين لطهران ، فإن دول الاتحاد الاوربي تبحث في الوقت نفسه عن مخرج يحافظ على مصالحها ومصالح شركاتها التجارية في إيران ويجنبها الوقوع تحت سيف العقوبات الامريكية على طهران.
كذلك تراهن طهران على موقف روسي وصيني مؤيد لها في المحافل الدولية ولاسيما في مجلس الأمن ، الامر الذي يجعل من الصعب على واشنطن ،إن إرادت، تمرير أي عقوبات أو قرارات دولية ضد إيران بسبب هذا الملف، وهو ما يجعل الأزمة بين طهران وواشنطن ، وليس بين وبين المجتمع الدولي كله.
في المقابل،فإن واشنطن، التي لوحت بموجة جديدة من العقوبات الاقتصادية ضد إيران ، تراهن على أن تجبر العقوبات الاقتصادية القاسية وغير المسبوقة ، طهران على الجلوس على مائدة التفاوض بشروط أمريكا، لا سيما وأن هذه العقوبات ، تكبد الاقتصاد الإيراني خسائر كبيرة وبصورة ربما لا تجعله قادرا على الصمود طويلا.
لمتابعة تقارير مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط يرجى الاشتراك في النشرة العامة للوكالة.
/ أ ش أ /