• الرئيس السيسي بين الرئيسين الصومالي والكيني
    الرئيس السيسي بين الرئيسين الصومالي والكيني

القاهرة في 27 سبتمبر/أ ش أ/ تقرير كتبه: أحمد تركي (مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط)
دخلت الأزمة الحدودية البحرية بين كينيا والصومال مرحلة مفصلية مهمة نحو الحل؛ إثر توافق الجانبين على تشكيل لجنة ثنائية من أجل البدء الفوري في إجراءات إعادة الثقة وتنقية الأجواء لتسوية أي نقاط خلاف؛ تمهيدا لعودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها ومحاولة التوصل لحل سياسي للأزمة التي تهدد الأمن والاستقرار في القرن الإفريقي.
جاء هذا التوافق نتيجة الجهود المصرية المخلصة وصدق رؤيتها تجاه القارة الأفريقية، والتي تمثلت في استجابة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، لطلب الصومال وكينيا، انطلاقاً من الرئاسة المصرية الحالية للاتحاد الأفريقي، والعلاقات المتميزة التي تربط مصر بكلا الدولتين، لعقد قمة ثلاثية جمعت الرئيس الصومالي محمد عبد الله فارماجو مع الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لدورتها الـ74 في نيويورك.
وأكد الرئيس السيسي أن مصر ترتبط بعلاقات أخوية مع الأشقاء في كل من الصومال وكينيا، وأن ما يجمع الدول الثلاث من روابط تاريخية وصلات ومصالح مشتركة، ما خلق حافزاً لمصر للاستجابة لعقد هذه القمة، مشددا على أن التحرك المصري يأتي ليس فقط من منطلق رئاستها للاتحاد الأفريقي، وإنما أيضاً لحرصها على الحفاظ على علاقات المودة والأخوة التي تربط الجانبين الكيني والصومالي.
رؤية عميقة نحو القارة
هذا التحرك المصري البناء تجاه القضايا الخلافية بين الدول الأفريقية، ليس وليد اللحظة، إنما هو نابع من رؤية مصرية إستراتيجية عميقة تجاه القارة الأفريقية، تجذرت وتأكدت كون الرئيس السيسي يولي اهتماما خاصا بإفريقيا، وأن 30% من زياراته الخارجية كانت لدول القارة.
وتجدد مصر التأكيد على دورها في الوساطة في حل النزاعات التي تشهدها القارة الأفريقية بهدف إحلال الأمن والسلام، كما ترفض مصر أي شكل من أشكال التدخل الأجنبي في شؤون القارة الأفريقية، وتدعم كذلك أي حل أفريقي أفريقي لحل النزاعات.
ولا شك أن وجود الرئيس السيسي على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام يحمل الكثير من الدلالات، وخاصة مع تولي مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي التي تسلمها الرئيس في العاشر من فبراير 2019، وما يلقي بكاهل الأعباء والمسئوليات التي يضطلع بها الرئيس تجاه قضايا القارة الإفريقية والتي عبر عنها أصدق تعبير خلال المشاركات الخمس السابقة في اجتماعات الجمعية العامة.
وتظل أفريقيا حاضرة على الدوام في فكر ورؤية القيادة السياسية المصرية، خاصة في المحافل الدولية، التي شارك فيها الرئيس السيسي ومنها مؤتمر ميونخ للأمن الذي طالب فيه بحق إفريقيا في السلام والأمن والاستقرار؛ لتحقيق تنمية مستدامة لشعوبها، والقمة الأوربية الإفريقية بالنمسا، وطالب فيها بشراكة عادلة بين الطرفين، قمة مجموعة العشرين الكبرى في أوساكا، ودعا فيها إلى حشد الدعم الدولي للتنمية الإفريقية، وأخرها قمة التيكاد في اليابان وكانت كل أعمالها تتعلق بقضايا التنمية في إفريقيا.
خطوة على الطريق
وارتكازاً على عمق الرؤية المصرية تجاه القضايا الأفريقية، فإن اللجنة الثنائية الصومالية الكينية التي تم التوافق عليها بوساطة الرئيس السيسي، تمثل خطوة مهمة نحو إقرار السلام والأمن بين الدولتين، ووضع لبنة محورية في طريق عودة العلاقات بين البلدين المتجاورين إلى طبيعتها.
وبرزت قضية الحدود البحرية بين الصومال وكينيا على سطح الأحداث مطلع سبتمبر الحالي 2019، بعد تعيين الاتحاد الأفريقي مبعوثا خاصا له ، في الوقت الذي أعلنت فيه محكمة العدل الدولية تأجيل جلسات الاستماع في القضية المتعلقة بترسيم الحدود في المحيط الهندي التي كان مقررا عقدها خلال الفترة من 9 ـ 13 سبتمبر الجاري لمدة شهرين بسبب طلب الجانب الكيني تأجيلها.
كانت أول جلسة استماع لمحكمة العدل الدولية، خلال الفترة من 19 ـ 23 سبتمبر 2016، وقدم الصومال وثائق تثبت الحد البحري الصحيح، بينما قدمت كينيا مذكرة مضادة، تؤكد فيها أن مطالبة الصومال تتناقض مع تقليد الدولتين الذي يبلغ 35 عاما، وأكدت أن الحدود البحرية بين البلدين، تمتد على طول خط عرض بدلاً من الخط المتساوي الذي يطالب به الصومال الآن، وفقًا لاتفاق خط العرض الموازي الصادر عام .1979
ثم عقدت المحكمة الدولية الجلسة الثانية في أواخر عام 2017، وفاز الصومال بأولى جولات النزاع، ولم تفلح كينيا في إقناع قضاة محكمة العدل الدولية، الأمر الذي جعلها تدفع بعدم اختصاص محكمة العدل الدولية في الفصل بالأزمة، ومضت قدما في مشاريعها النفطية، في الوقت الذي تعطلت فيه محكمة العدل الدولية، ولم تصدر حكمها النهائي في هذا النزاع حتى الآن.
وفي منتصف فبراير الماضي 2019، توترت الأجواء بشدة، إثر اتهام كينيا للحكومة الصومالية، بإخضاع مساحات في المنطقة المتنازع عليها للمزاد العلني للتنقيب عن النفط، واستدعت نيروبي سفيرها من الصومال، وأمرت نظيره الصومالي بالخروج من كينيا، مما مثل نقطة ساخنة جديدة في العلاقات الثنائية.
يعود النزاع الحدودي بين البلدين إلى فترة الاستعمار لإفريقيا وتقسيم الحدود بين دولها، وقد ظهرت بوادره في عهد الرئيس الصومالي شريف شيخ أحمد، ولجأت الحكومة الكينية عام 2009 إلى الدعوة لتوقيع مذكرة تفاهم مع الصومال، لترسيم الحدود البحرية وفق شروط رفضها البرلمان الصومالي واعتبرها محاولة من كينيا لنهب مناطق بحرية صومالية، ما يشكل تهديدا على سيادة الصومال.
وعادت الأحداث إلى الواجهة مرة أخرى بتدخل كينيا عسكريا في جنوب الصومال أكتوبر2011، لمحاربة حركة الشباب المتشددة، بحجة اتهامها بخطف وقتل موظفي إغاثة أجانب داخل أراضيها، وفي ديسمبر من العام نفسه قررت ضم قواتها إلى قوات بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال.
وفي عام 2012 تجدد النزاع من جديد، بشأن الحدود البحرية بين الدولتين، إذ حددت كينيا ثمانية امتيازات بحرية، وطرحت رخصا خاصة بهم للتنقيب عن البترول، ومن هؤلاء يقع سبعة داخل المنطقة المتنازع عليها مع الصومال، ومع توافد الشركات الدولية والبدء في عمليات التنقيب، طالبهم الصومال بحسم بالانسحاب من المنطقة التي تقع في مياهه الإقليمية.
وبعد مارثون طويل من المباحثات، أعلنت الحكومة الصومالية فشل مفاوضاتها مع حكومة كينيا، لحسم النزاع الحدودي البحري، وعلى الفور قدمت شكوى إلى محكمة العدل الدولية في الثامن والعشرين من أغسطس 2014 ضد كينيا، لحسم النزاع التاريخي بواسطة المحكمة الدولية.
ورغم محاولات الوساطة من جانب أثيوبيا والولايات المتحدة الأمريكية، ظلت القضية أمام محكمة العدل الدولية، بسبب تباين وجهات نظر البلدين، والانخراط المكثف لشركات النفط الأجنبية على حساب فرص تسوية الصراع سياسياً، حيث اصطفت بعض الشركات مع الصومال والبعض الآخر مع كينيا، سعياً من كل منها للحصول على أكبر نصيب ممكن من الثروات النفطية في المنطقة المتنازع عليها.
يبقى القول إن النتائج المستقبلية للرؤية والوساطة المصرية في هذا الملف، تفتح آفاقاً واعدة للتسوية السياسية للأزمة الحدودية البحرية بين الصومال وكينيا، من خلال التأكيد على فرص التوصل لحل السياسي يقوم على التقاسم العادل للمنافع الاقتصادية لمنطقة النزاع بين الصومال وكينيا، في ظل حاجة البلدين لتجنب الصراع، وفي ظل الدفع الدولي في هذا الاتجاه، فالقوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبدعم من حلفائها الإقليميين تدعم الحل السياسي، الأمر الذي يجعل من المنتظر أن يشهد الملف حراكاً نحو الحل السياسي، قبيل عقد جلسات الاستماع أمام محكمة العدل الدولية خلال الشهرين المقبلين.
/أ ش أ/