• سث
    سث
  • يضص
    يضص
  • ي
    ي


كتب :حسام إبراهيم
  فى عيد الحب ثمة ذكريات ودموع وبكاء على صدر حبيب!، يالها من دموع وياله من بكاء!، انها دموع عمالقة الكلمة وبكاء جبابرة الفكر بسبب الحب والحبيبة !، نبضات قلوب محبة وبكاء يغالب صمتا بالصبر يتجمل، جرعات مرارة فى دنيا تلونها الرغائب وليل ينثر عبيره واحلامه وخياناته!.
   وفيما تذخر المواقع الإلكترونية على شبكة الانترنت فى زمن الحداثة بالكتابات والطرائف حول الحب وأشهر الثنائيات العربية فى الحب فإن دموع الحب تضارع معارك الفكر التى خاضها جبابرة وعمالقة الكلمة مثل عباس محمود العقاد، كما أن هذه الدموع حاضرة فى ابداعات الساعة واللحظة الراهنة.
   وقد تحدث الكاتب طاهر الطناحى أحد أقرب المقربين لعملاق الكلمة عباس محمود العقاد عن "دموع الحب بين الآنسة مى والعقاد".
   وأكد على أن هذا العملاق أحب فى حياته مرتين :"سارة" وهذا ليس اسمها الحقيقى، وانما اسم مستعار ومارى زيادة الأديبة اللبنانية المعروفة "بالآنسة مى".
   كانت سارة مثالا للأنوثة الدافقة الناعمة الرقيقة لايشغل رأسها سوى الاهتمام بجمالها وانوثتها وكانت مى مثقفة قوية الحجة وجليسة علم وفن وأدب وزميلة فى حياة الفكر ..كلتاهما جميلة ولكن الجمال فى مى "كالحصن الذى يحيط به الخندق" اما الجمال فى سارة "فكالبستان الذى يحيط به جدول من الماء النمير .. هو للعبور أكثر مما يكون للصد والنفور".
   ذلك ماسمعه طاهر الطناحى من العقاد الذى كتب قصة عن "سارة" اما قصته مع مى فكانت أكثر تعقيدا بعد أن تطورت من صداقة أدبية إلى حب فغرام وهيام ودموع والحقيقة أن هذه الأديبة اللبنانية الجميلة كانت تحترم عباس محمود العقاد وتجله ككاتب ومفكر، اما الحب الذى تنافس فيه الكثيرون من عمالقة الكلمة وجبابرة الفكر فى ذاك الزمان فكان من نصيب مبدع كبير يعيش فى أمريكا هو الشاعر والكاتب اللبنانى الأصل جبران خليل جبران.
والذى لم يقله طاهر الطناحى أن شخصا فى قيمة وقامة عباس محمود العقاد كان لابد وأن يتألم لفوز جبران بقلب مى التى طلبت من العقاد صراحة ألا يقسو فى كتاباته على جبران بعد أن كتب عملاق الكلمة فى مصر والكاتب الأول لحزب الأغلبية حينئذ وهو حزب الوفد "عن أخطاء لغوية وانحراف فى الفطرة والطبيعة الشاعرة والخيال السليم فى كتاب المواكب الذى كان جبران قد اصدره عام 1919.

الاحترام شىء مختلف عن الحب
 الاحترام شىء مختلف عن الحب ومى زيادة التى كانت تخاطب عباس محمودالعقاد فى رسائلها :"بالأستاذ الجليل العقاد" منحت الحب لجبران والحب لايفسر غير أن الأمر قد يؤلم عملاقا كالعقاد بل ويجعله يبكى وهو الذى أحبها بكل عواطفه وبعث لها عندما كانت فى روما بأبيات شعر نظمها جاء فيها:"آل روما لكمو منى الولاء وثناء عاطر بعد ثناء .. وسلام كلما ضاء لنا طالع الاصباح او جن مساء".
وهاهو الأديب مصطفى صادق الرافعى يتنافس بروح اليائس  ضمن المتنافسين من عمالقة الكلمة وجبابرة الفكر على قلب مى زيادة، ويخاطبها من بعيد :"يا من على البعد ينسانا ونذكره .. لسوف تذكرنا يوما وننساك .. إن الكلام الذى يجلوك ياقمر له صبح متى تدركه أضناك"!.
فالشاعر الكبير مصطفى صادق الرافعى ينتظر الصباح الذى يخفى هذه المحبوبة لكن مى زيادة أنكرت هذا الحب، وإن ظل الرافعى يحبها مثل غيره من عمالقة الكلمة وجبابرة الفكر كالعقاد وسلامة موسى، وإن كان هذا الحب الرومانسى من طرف واحد هو الذى جعل الرافعى يبدع "السحاب الأحمر" و"أوراق الورد" و"رسائل الأحزان".
حالة مى زيادة تشكل نموذجا لدموع الحب التى تنثال من عيون عمالقة الكلمة وجبابرة الفكر فيما تكشف الصيحة الملتاعة التى اطلقها عباس محمود العقاد من الأعماق عند قبر مى:"كل هذا فى التراب..آه من هذا التراب" عن مدى نظرته لجميلة الكلمة بقدر ماتومىء لحالة من الرثاء لذاته وحبه الكبير وايامه معها التى انتهت بدموع وحسرة الهزيمة امام جبران خليل جبران .
وعند الكاتب الراحل أنيس منصور الذى ارتبط بقوة بعملاق الفكر العربى عباس محمود العقاد، وأصدر كتابه الشهير عن صالون العقاد، وأيامه للحب دموع ودموع على حبيبة فاتنة جميلة العينين مع أنه كمتفلسف وقريب للغاية من عالم الفلاسفة.
   قال:"شىء غريب .. كل معشوقات الفلاسفة دميمات او لسن جميلات ابتداء من أستاذ الجميع سقراط وأرسطو حتى سالومى التى أحبها وانهار أمام جمالها وذكائها الفيلسوف نيتشة وعالم النفس فرويد والشاعر ريلكة كانت جذابة ولم تكن جميلة".
   من أجل حبيبته الجميلة نفى أنيس منصور عن نفسه اى صفة للفيلسوف فحبيبته ليست دميمة وهى مختلفة عن تلك المرأة الغبية التى تزوجها الفيلسوف مارتين هيدجر، كما أنها مختلفة عن سيمون دى بوفوار رفيقة عمر الفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر.
   هؤلاء الفلاسفة الكبار يقول عنهم أنيس منصور: "ليس لديهم وقت للتفكير .. وفى لحظات الضعف يهيمون بهذا النوع من النساء"، اما حبيبته الإيطالية فنموذج للجمال ومعها أقسما عند "نافورة الطرق الثلاثة" فى روما على الحب حتى الموت .. وقد وفى انيس منصور بالوعد حتى موتها.
   ومعها كانت أيام فى الريفييرا الإيطالية، وبعدها كان يتضرع لخالقه أن يخفف أحزانه "فلولاها ماكتبت ومابكيت".
  وصاحب :"فى صالون العقاد كانت لنا أيام" كتب فى الحب كثيرا وحكى وبكى وهو يتحدث عن "الحبيبة التى كانت فى إيطاليا"، ويتساءل بلوعة: "لماذا لم أقف معها ..فالحياة لا كانت قبلها ولاهى بعدها .. لقد أخذت حياتى معها وتركت بقاياى تبكى على بقاياى".
    معها كانت السنوات الذهبية من عمره - كما يقول - ومعها كانت سنوات تذكرها فبكى طويلا :"آه من تلك الأيام..أه على القوة وآه من تلك الليالى..من روما نسافر بالقطار لبرلين ونحرك الليل والنهار والساعات وبعد أيام نذهب إلى البندقية والساعات تهون وتتلاشى من أجل العيون الجميلة".
   وبسببها اضطر للكذب فى برنامج اذاعى عندما سألوه عن المرأة الجميلة فقال أوصافا لايحبها لأنه يخشى أن يكتشف الناس من هى حبيبته! .. ومن أجلها أيضا عاد لإيطاليا كثيرا حتى أنه سلم بأن الأمر لايخلو من جنون! .
   ولذلك كله يعذر أنيس منصور شعراء التروبادور الأسبان الذين يقفون تحت شباك المحبوبة ليلا ونهارا إذ لا ليل عندهم ولانهار!.

الشعراء الذين يتعذبون بسبب الحبيبة
   عن هؤلاء الشعراء الذين يتعذبون بسبب الحبيبة يقول أنيس منصور: "الحب يصل الليل بالنهار والشوق والحنين والأنين .. لقد كنت فى حبى مثل اولئك الشعراء ..أحيانا كنت أحس أن الأرض صارت كوكب اخر يدور بنا حول الشمس وحدنا .. لم أكن أريد أن أخرج من هذه التجربة فأنا ولدت لأعيش".
وهاهو أنيس منصور يضيف فى رسالة لصديق نشرتها أسبوعية أخبار الأدب :"انا غائب عن الحاضر ..غارق فى الماضى..وليس فى الماضى كله إلا هى ..التصقت صورتها ..انطبع صوتها .. لا أسمع سوى لها ولاأريد غيرها ولا أريد بديلا عنه ..أنت تعرف كم إمرأة عرفت .. كثيرات هنا وفى أوروبا ..كثيرات فى كل لغة".
ويطلب من صديقه العذر بسبب عدم الوضوح أحيانا فى رسائله مضيفا: "يجب أن تعذرنى عندما أكتب عنها بعد موتها، وأتذكر ماجرى لى .. لاأجدنى قادرا على الكلام .. لا أعرف كيف أنا .. كيف تماسكت وكيف عشت .. لن أكتب كلمة واحدة عن زيارتى لأهلها لتقديم العزاء .. لا أحد يعرفنى ولكنى أعرف الجميع من كلامها عنهم .. كان يوما أسود عندما ذهبت إلى قبرها وعندما عدت إلى مصر لزمت الفراش".
ويرى أنيس منصور أن الفن ليس إلا نوعا من الاعتراف اى ازالة الحائط الرابع بين الفنان والناس فيحدثهم عن نفسه بلا تحفظ  حتى إنه قال إن :"صفحات كتبى هى بقايا دموع .. صدى صرخات ترددت بعيدا فى نفسى وفى نفوس الآخرين لها طعم الملح ولسع النار ووخز الأبر والحاح الضمير وبريق الأمل".
ومن ثم فهو يعترف بأنه كذب على نساء عرفهن بسبب هذه الحبيبة الإيطالية المجهولة التى يقول عنها وعن نساء عرفهن :"أنا كذبت عليهن ..اننى كنت انشغل بهن لأبعد عنها..فقد استولت تماما على كل حياتى وأريد الهرب منها..انها بعيدة جدا قريبة جدا..وعدت الى ايطاليا..مشيت فى نفس الطريق وجلست فى نفس المكان وبكيت فى كل مكان".
ويتابع:"فى نفس الساعة من كل يوم ..تماما مثل يوم قابلتها ..نفس الساعة..نفس الطريق ونظرت ورائى وعبرت الشارع وجلست على المقهى فوجدت واحدة تجلس على نفس المقعد..آه محترق أنا ..لمست المقعد بأصابعى قبل ان اجلس عليه كأننى أقبله بأصابعى وجلست لاأعرف كم من الوفت ونهضت..وفى نفس الطريق عدت ووقفت امام بيتها".

انيس منصور
  بمداد الصدق والدموع يقول أنيس منصور فى هذه الرسالة لصديقه فريد حجاج :"استأذنك يافريد بعض الوقت فلا أريد أن تسقط دموعى على الورق"، فيما يتساءل عما يمكن أن يفعله "إذا كان هذا قلمها وهذا عطرها وهذه صورتها وهذه هديتها.. حتى القطرة التى أضعها فى عينى قطرتها كأننى اضع دموعها فى عينى"!.
هاهو يبوح لصديقه برغبته فى البكاء على الحبيبة وللحبيبة :"أريد أن أبكى ولذلك أتحدث عنها .. إننى لم أبك بما فيه الكفاية ..لاتجف الدموع .. لاأعرف من أين تجىء ولماذا تطاوعنى ولماذا اطاوعها؟..ان الفيلسوف باسكال هو الذى قال: إن للحقب أحكاما يستأنفها العقل ولكن يبقى حكم الحس هو الحكم الذى لايقبل الاستئناف".
ويمضى أنيس منصور مع الحبيبة فى رحلة الدموع والحب قائلا: "عدت إلى رسائلها 87 خطابا اقرأها وأقبلها وأشم رائحتها..لماذا كان خطك جميلا ولماذا كانت رسائلك معطرة؟..أوجعت قلبى إلى الأبد..قرأت خطاباتها مائة مرة لاأريد أن أفرغ منها .. لا أريد أن ينتهى اى شىء".
وإذا كان أنيس منصور قد أحب هذه الإيطالية المجهولة كل هذا الحب الذى تسبب فى كل هذه الدموع  فإن دموع الحب حاضرة فى أول رواية يبدعها المفكر والأكاديمى اللامع والوزير السابق الدكتور احمد جمال الدين موسى  حيث الحب تيمة أساسية فى رواية "فتاة هايدلبرج الأمريكية"، والدموع تنثال فيما يمضى المصرى "اسامة زايد" بطل الرواية والأمريكية ماجى ويليامز كل فى طريق.
بسبب ضابط المخابرات الأمريكية الحاقد والمغرض دافيد فرتمان ومكائده ورغبته المريضة فى ابعاد المصرى "اسامة" عن الأمريكية "ماجى" التى تعلق بها رغم نفورها منه كانت دموع الحب الذى انتهى بالفراق فى مدينة هايدلبرج الألمانية رغم الكلمات الباكية لأسامة :"نستطيع ان نتغلب على الظروف اذا كان الحب يجمعنا".
لكن الظروف قد تكون اقوى بالفعل رغم امل المحب فى استمرار الحب..وهاهى ماجى ويليامز بطلة الرواية الجديدة "فتاة هايدلبرج الأمريكية" تتلقى كلمات اسامة فى سكون تام ونظرة حزينة منكسرة ودموع منسابة من العينين.
وهاهو مؤلف الرواية الدكتور احمد جمال الدين موسى يبدع فى مشاهد دموع الحب فاذا بماجى ويليامز تقوم فى هدوء "وتحركت صوب النافذة مديرة ظهرها لأسامة تنظر الى لاشىء محاولة لملمة مشاعرها وتجميع شتات نفسها ..وبعد بضع دقائق مسحت دموعها واقتربت من اسامة..عانقته بحنان هامسة:وداعا ياأسامة...".
ويواصل احمد جمال الدين رسم المشاهد التى تنثال فيها دموع الحب حيث اسامة مازال يحتفظ بالأمل فى حدوث معجزة تدفع ماجى للنظر خلفها وحينئذ كان سيجرى ليحتضنها ولايفرط فيها بعد ذلك وحتى نهاية الحياة..وتدخل ماجى مسكنها بعيون مقرحة ونفس منكسرة لاتكاد ترى افاقا لحياتها القادمة ولتهيىء نفسها لزمن الصبر والتحمل مرت بخاطرها كلمات  وردت فى زرداشت نيتشة على لسان قديس عجوز عن الاستعانة بالدندنة والضحك والبكاء.