• مصر / القمة العربية الأوروبية - 13
    مصر / القمة العربية الأوروبية - 13


تونس .. هبه الحسيني
ستة أشهر تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية التونسية وهاهو السباق نحو "قصر قرطاج" يتخذ منحى جديا على الساحة السياسية، حيث بدأت عدة شخصيات سياسية من مختلف التيارات تعلن نيتها خوض المعركة الانتخابية، في الوقت الذي كثرت فيه التنبؤات حول ترشح قيادات سياسية لأحزاب رئيسية في البلاد، دون أن تعلن هذه الأحزاب رسميا أسماء مرشحيها.
ومع إعلان الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي عدم رغبته في الترشح لولاية ثانية، خلال مؤتمر حزبه "نداء تونس" في أبريل الماضي، أعلنت عدة شخصيات سياسية بارزة نيتها خوض السباق الانتخابي، من بينهم محمد عبو مرشح حزب التيار الديموقراطي، كمال مرجان مرشح حزب المبادرة الدستورية الديموقراطية، وحمة الهمامي مرشح الجبهة الشعبية، إضافة إلى بعض المرشحين المستقلين مثل قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري، وليلى الهمامي أستاذة جامعية في إنجلترا.
في الوقت ذاته، يتوقع المراقبون بروز بعض الشخصيات التي قد تعلن عن ترشحها خلال الفترة المقبلة من بينهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد عن حزب "تحيا تونس" الذي ظهر مؤخرا على الساحة السياسية، رئيس الحكومة الأسبق ورئيس حزب البديل التونسي المهدي جمعة، وأحمد نجيب الشابي مؤسس الحركة الديموقراطية.
تزامنا مع ذلك، شهدت الساحة السياسية في تونس بعض التغيرات خلال الآونة الأخيرة من أهمها تراجع شعبية حزب نداء تونس، والتي ظهرت في نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة في مايو 2018، حيث احتل الحزب المركز الثالث من حيث عدد المقاعد، في حين تصدرت القوائم المستقلة النتائج الانتخابية.
وشهدت الساحة السياسية مؤخرا أيضا ظهور حزب "تحيا تونس" الذي قدم نفسه باعتباره "حركة ديمقراطية وسطية"، ويحظى بدعم رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي أعلن - خلال خطابه في ختام المؤتمر التأسيسي للحزب في أول مايو الجاري - انتماءه إلى "العائلة الوطنية" التي تنتمي إليها "تحيا تونس"، والتي تؤمن بالمشروع الوطني الإصلاحي.
والأمر الملاحظ هذا العام، وفقا للمراقبين، أن معظم الأحزاب السياسية تولي اهتماما كبيرا للانتخابات الرئاسية على حساب الانتخابات التشريعية، التي تراجعت إلى المركز الثاني في قائمة اهتمامات السياسيين، وهو ما يبدو غريباً في تونس حيث تلعب التحالفات الحزبية في البرلمان دورا هاما ومؤثرا في نظام شبه برلماني يمنح صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة منبثقة عن البرلمان.
ويتفق المراقبون على أن ملامح المشهد الانتخابي تبدو غير واضحة حتى الآن على الساحة التونسية وأن موزاين القوى تتغير من حين إلى آخر، كما أن استطلاعات الرأي لا تزال عيناتها محدودة ولا يمكن البناء على نتائجها، ورغم تعدّد الأسماء التي أبدت استعدادها للترشح، إلا أن قلة منهم فقط هي التي ستخوض المعركة الانتخابية، وستسعى للحصول على ثقة الناخب التونسي.
إضافة لذلك، فإن الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 17 نوفمبر القادم، ستتأثر قطعا بالانتخابات التشريعية التي تسبقها والتي من المقرر عقدها في 6 أكتوبر القادم، ومن المتوقع أن تشهد منافسة ساخنة بين الأحزاب الموجودة على الساحة مثل أحزاب اليمين الليبرالي، اليسار، والأحزاب الإسلامية، إضافة إلى الأحزاب الجديدة التي ظهرت مؤخرا وعلى رأسها "تحيا تونس".
من جانبه، قال الدكتور فريد العليبي المفكر التونسي وأستاذ الفلسفة بكلية الآداب بصفاقس، إن الشاهد يسعى من خلال "تحيا تونس" إلى تكرار ما قام به الرئيس السبسي من قبل مع "نداء تونس"، موجهاً خطابه إلى اليمين الليبرالي للاتحاد على قاعدة الإرث البورقيبي، ولكنه مكبل بتراجع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية مع انهيار الدينار التونسي وارتفاع الأسعار، وبالتالي لا تجد وعوده في تخطي الأزمة الاقتصادية عام 2020 صداها، وينظر إليها على أنها من قبيل الوعود الانتخابية غير القابلة للتطبيق.
وأضاف العليبي أن اليمين الليبرالي يعاني من الضعف لا من جهة انقسامه على نفسه، وإنما أيضا من جهة تقلص ثقة الناخبين فيه وإذا كان من الصعب خروجه من الوضع الذي هو فيه وتشكيله تحالفا يجمع شتاته قبل الانتخابات القادمة، فإنه من المرجح لم شمله إذا ما حققت مكوناته الحالية بعض النجاح فيها ودفعت قوى عربية ودولية باتجاه اتحاده مجددا.
في السياق ذاته، يرى المحلل السياسي التونسي زياد البرهومي، أن اليمين الليبرالي يواجه تحديات هامة خلال الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في ظل وجود انقسامات داخل بعض الأحزاب، وصعوبة تشكيل تحالفات قوية تحصل على ثقة الناخبين وتمنع تشتت التصويت في صناديق الاقتراع.
ويتوقع البرهومي بروز المرشحين المستقلين في السباق الرئاسي المقبل، لافتا إلى أن أجواء الانتخابات هذه المرة أفضل من سابقتها عام 2014 نتيجة استقرار الأوضاع الأمنية، وتقلص العلمليات الإرهابية بدرجة كبيرة.
وحول مشاركة الشارع التونسي، أفاد البرهومي بأن الاستحقاقات الانتخابية هذه المرة قد لا تحظى بالزخم من المواطنين مثلما شهدت الاستحقاقات السابقة، مما قد يشير إلى مشاركة أقل من التونسيين في صناديق الاقتراع.
ويتفق فريق واسع من المراقبين على أن السباق الرئاسي نحو "قصر قرطاج" يواجه تحديات ليست بالهينة، فمجريات السباق الرئاسي مرتبطة بالتحالفات الجديدة التي تظهر في تونس مع كل حدث انتخابي، والتي ستنعكس بدورها على الانتخابات التشريعية، فالطموح الشخصي للمترشحين يتوقف على حقيقة ثقل ما يمثلونه حزبيا وائتلافيا في البرلمان، ليكون للمرشح حظوظ كبيرة للتفوق والوصول للمراحل النهائية في السباق.
في ضوء ذلك يبدو أن العام الحالي سيكون عاما حاسما على الساحة التونسية ولكن من الصعب التنبؤ بسيناريوهاته المستقبلية في ظل تواتر الأحداث وتزايد التجاذبات وتشكّل التحالفات وانفضاضها بصورة متسارعة، فضلا عن عدم وضوح الرؤية بالنسبة لاتجاهات التصويت من قبل الناخبين في ظل صعوبة الأوضاع الاقتصادية في البلاد.