• بنوك
    بنوك


تقرير: عصام الدسوقى

قال تقرير مصرفي عالمي متخصص إن قطاع المصارف في العالم عانى تحديات ضخمة خلال السنوات السبع الماضية جراء الأزمة المالية الأخيرة التي قادته إلى تسجيل نتائج أعمال محبطة وعوائد ضئيلة، غير أن الأمر كان مغايراً على الساحة الأفريقية التي رأى خبراء أن قطاعات مصرفية في عدد من الدول الأفريقية أبلت بلاء حسناً وحققت نتائج مشهودة على صعيد معدلات النمو والربحية التي حققت في بعضها ضعف متوسط المعدلات العالمية، وكشف التقرير أن قطاع المصارف الأفريقية حقق ثاني أسرع نمو بين قطاعات البنوك على مستوى العالم بأسره .
واستعرض تقرير شركة "ماكنزي" العالمية للاستشارات، الصادر تحت عنوان "زئير من أجل الحياة: النمو والابتكار في بنوك التجزئة الأفريقية"، أسواق المصارف في القارة، مصنفاً إياها إلى أربعة نماذج من يأتي في صدارتها نموذج "سوق المصارف الناضجة" التي تتمتع بنصيب معتبر من الدخل، ولديها مستوى مرتفع من الاختراق المصرفي، ونمو في إيراداتها وربحيتها ومتانة هياكلها المالية، ولفت إلى أن مثل هذه السوق يوجد في مصر وجنوب أفريقيا حيث يرتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات اختراق الأصول المصرفية.
أما النموذج الثاني الذي صنفه "تقرير ماكنزي" فكان أسواق مصارف في مراحل انتقالية وذات معدلات نمو متسارعة وتتسم بمعدلات اختراق مصرفية متصاعدة على نحو ملفت للأنظار مثلما هو الحال في غانا وكوت ديفوار وكينيا، وهي أسواق تتميز بانتشار بعض الخدمات المصرفية المبتكرة كالتحويلات المالية عبر الموبايل.
وخص التقرير،"، الذي خرج في 54 صفحة، النموذج الثالث بمزيد من الإسهاب واصفاً إياه بأسواق "المصارف العملاقة النائمة"، وهي سوق موجودة في نيجيريا وأنجولا، مبيناً أن هذه المصارف العملاقة موجودة في بلدان تعتمد بكثافة على النفط كمصدر للدخل الأمر الذي يدفع القطاع المصرفي إلى الابتعاد عن إقراض القطاعات الإنتاجية الأخرى فضلاً عن تجاهل سوق الإقراض للمستهلكين. وتتسم سوق "العمالقة النائمة" بضآلة معدلات الاختراق المصرفي على الرغم من التنوع الثري في الهيكل الديموغرافي للبلاد الذي يحمل آمالاً وفرصاً هائلة للنمو في المستقبل.
ولاحظ معدو التقرير أن معدل "تغطية مكاتب الائتمان" (التي تتولى جمع البيانات عن الساعين للحصول على ائتمانات وقروض وتسهيلات مصرفية وتقديمها إلى البنوك الراغبة في تقديم الائتمانات) في "الأسواق العملاقة النائمة" لا تتجاوز 3 في المائة، وهي الأقل بين نماذج البنوك الأفريقية الأربعة، فضلاً عن أنها الأقل أيضاً في مستويات الخدمات المصرفية المبتكرة مثل خدمة تحويلات الأموال عبر أجهزة المحمول.
أما النموذج الرابع الذي تحدث عنه "تقرير ماكنزي" فتمثل في "الأسواق المصرفية الخاملة" التي شملت بلدانا مثل إثيوبيا وتنزانيا.
وعاد التقرير إلى الحديث عن قطاع المصارف العالمية بنتائجه المحبطة ونموه الضئيل، مبيناً أنه خلال السنوات السبع الأخيرة ظل "العائد على حقوق الملكية" ROE للمصارف العالمية محشوراً بين هوامش ضيقة للغاية مسجلاً ما بين 8 و10 في المائة، وهو مستوى يعتبره خبراء المصارف يعكس كلفة حقوق الملكية نفسها في قطاع البنوك. بينما يبدو المشهد مغايرا في القارة الأفريقية، على حد تعبير خبراء "ماكنزي"، ففي بنوك نيجيريا وغيرها من البلدان الأفريقية تنطلق بوادر أمل بأن أسواقها المتسارعة ونمو ربحيتها إلى الضعف تقريباً ستفتح آفاقاً واسعة لانتعاش قطاع البنوك في القارة.
ويرى التقرير أنه "رغم ازدياد حدة المنافسة وتشديد القوانين، فإن هناك مساحة للنمو: فمعدل اختراق المصارف في أفريقيا يظل عند مستوى 38 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو نصف المتوسط العالمي للبلدان البازغة".
وبالنسبة لعموم قارة أفريقيا يقول التقرير "البنوك الأفريقية تواجه فيضاً من التحديات، بما فيها انخفاض مستويات الدخل في الكثير من الدول، وشيوع استخدام النقود في التداول داخل معظم الاقتصادات، والافتقار إلى تغطية مكاتب الائتمان، غير أن بعض البنوك تمكنت بالفعل من التقاط الفرص المرتبطة بتلك التحديات، فقد استثمرت، على سبيل المثال، انتشار خدمات الهواتف المحمول وارتفاع نسبة تغطياتها لتتمكن من تقديم عروض زهيدة السعر ونماذج توزيع مبتكرة ومتطورة."
واستطرد خبراء ماكنزي استعراض تلك التطورات على ساحة المصارف الأفريقية قائلين "مدعومة بموجة الابتكار، فإن إيرادات قطاع مصارف التجزئة بوسعها أن تتسارع وتتنامى بصورة جوهرية خلال السنوات الخمس المقبلة."
وأشاروا إلى أن "تقارير وسائل الإعلام العالمية تميل في الغالب إلى إبراز الإشكالات الاجتماعية والسياسية التي تشهدها أفريقيا بأكثر من ميلها إلى إبراز الصعود والانتعاش في بيئة الأعمال بالقارة. لكن الواقع يؤكد أن القارة تعيش في خضم حالة تسارع تاريخية تمكنت فيها من إخراج الملايين من دائرة الفقر، وخلق طبقة مستهلكين بارزة، وتحقيق معدلات نمو متسارعة في عديد من اقتصادات أفريقيا."
ويشرع خبراء ماكنزي في استعراض توقعاتهم بالنسبة لأسواق المصارف في أرجاء القارة قائلين "إن حقيقية وجود 54 دولة في أفريقيا، يقودنا إلى تفتيت حتمي للفرص المصرفية.. ونتوقع أن تستحوذ 5 أسواق مصرفية في أفريقيا- جنوب أفريقيا ونيجيريا ومصر وأنجولا والمغرب- على ما نسبته 68 في المائة من مجمع إيرادات المصارف، مقارنة بنسبة 90 في المائة يستحوذ عليها في الأسواق الإقليمية الخمسة أميركا الشمالية، وأميركا اللاتينية، والشرق الأوسط، وبلدان آسيا البازغة. وبالنسبة لأفريقيا، فإن ذلك يعني أن الـ49 دولة المتبقية تستحوذ على 32 في المائة فقط من مجمع الإيرادات المصرفية، وعلاوة على ذلك فإن أسواق المصارف الأفريقية بوجه عام يبرز أن هناك تنوعاً واختلافاً في مستويات النمو والربحية."
وكشف "تقرير ماكنزي" أنه رغم كل التحديات والتفاوت فإن قطاع المصارف الأفريقية بوجه عام حقق ثاني أسرع نمو بين قطاعات البنوك على مستوى العالم بأسره، مبيناً أن الفترة بين 2012 و2017، فإن مجمع إيرادات البنوك الأفريقية نما بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 11 في المائة على أساس أسعار الصرف الفورية في 2017، متوقعا أن يستمر سوق المصارف الأفريقية في نموه الرائد بمعدل نمو 5ر8 في المائة خلال السنوات الخمس المقبلة.
وقال: "على صعيد حجم البنوك، فإن سوق المصارف الأفريقية يجني حالياً إيرادات قبل استقطاع تكاليف المخاطر تصل إلى 86 مليار دولار. وحسب النمو المتوقع من جانبنا لمجمع إيرادات البنوك الأفريقية بنسبة 5ر8 في المائة ما بين عامي 2017 و2022، فإن تلك الإيرادات ستقفز إلى 129 مليار دولار، من بينها 53 ملياراً في بنوك التجزئة، مرتفعاً عن عام 2017 الذي سجل إيرادات قدرها 35 ملياراً، وهو ما يعني نمواً مستهدفا لمصارف التجزئة بقيمة تصل إلى 18 مليار دولار."