• الفساد
    الفساد


تقرير/ شحاتة عوض
لم يكن مستغربا أن يحتل موضوع مكافحة الفساد في افريقيا صدارة جدول أعمال قمة الاتحاد الافريقي الثلاثين التي انطلقت اليوم (الأحد) فى العاصمة الاثيوبية أديس ابابا بمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى وقادة وممثلي 55 دولة افريقية، بالنظر إلى ما يشكله الفساد من خطر داهم يهدد حاضر ومستقبل دول القارة .
فبحسب الأرقام التي أعلنها الاتحاد الافريقي فإن فاتورة الفساد تكبد الدول الافريقية خسائر تقدر بنحو 50 مليار دولار سنويا ، الأمر الذي يظهر أن الفساد أصبح خطرا يهدد مقدرات هذه الدول ، بل إن هناك من يرى أن الفساد لايقل خطورة على مستقبل الشعوب من الإرهاب نفسه ، إن لم يكن أخطر.
ويعكس شعار قمة الاتحاد الافريقي الحالية وهو " الانتصار في مكافحة الفساد" إدراكا متزايدا لدى بلدان القارة الافريقية وقادتها لأهمية التصدي لهذه الآفة التي باتت تستنزف مقدرات هذه الدول وتشكل عقبة كبرى أمام تطلعات وطموحات شعوب القارة في تحقيق التنمية والنهوض.. كما يعكس هذا الشعار إرادة واضحة ورغبة جماعية من قبل الدول الافريقية لتعزيز وتفعيل أدوات مكافحة الفساد ،ووضع التشريعات والضوابط الكفيلة بالقضاء عليه من خلال تكريس مبادىء المساءلة والشفافية ودولة القانون والحكم الرشيد في إدارة موراد هذه الدول.
وأكد "موسى فكي محمر" رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي أهمية اختيار هذا الملف ليكون العنوان الأبرز لقمة الاتحاد الافريقي هذا العام نظرا لجسامة آفة الفساد في القارة وآثارها المدمرة على التنمية الاقتصادية، والتماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي. فحسب الارقام التي أعدها خبراء من الاتحاد الافريقي ، فإن مليارات الدولارات التي تخسرها القارة الافريقية سنويا نتيجة الفساد وتهريب الأموال من دول القارة سنويا ، تعادل وربما تزيد عن جحم المساعدات الخارجية التي تتلقاها هذه الدول .
ووفقا لمبادرة الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا (نيباد) ، فإن القارة الافريقية خسرت 900 مليار دولار من التدفقات المالية غير القانونية بين عامى 1970 و2008، وشكلت العمليات التجارية للشركات المتعددة الجنسيات 60 في المائة من هذه التدفقات غير القانونية، تليها الأنشطة الإجرامية مثل تجارة المخدرات والأسلحة والبشر بنسبة 35 في المائة بينما تشكل الرشوة والاختلاس نسبة الـ 5 في المائة المتبقية . و"نيباد" هي اختصار لمبادرة "الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا"، والتي تتضمن رؤية الاتحاد الأفريقي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للقارة الأفريقية، وهي المبادرة التي تبناها قادة خمس دول أفريقية، هي مصر والجزائر ونيجيريا وجنوب أفريقيا والسنغال ‏وأقرتها قمة منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حاليا) التي عقدت في لوساكا عاصمة زامبيا في يوليو2001.
وقد احتل موضوع مكافحة الفساد حيزا كبيرا من الاجتماعات التحضيرية للقمة الافريقية سواء على مستوى السفراء أو الوزراء ، حيث تمت مناقشة ظاهرة الفساد في القارة، وتأثيرها السلبي على التنمية الاقتصادية والاجتماعية ،وبحث الآليات اللازمة للقضاء عليه من خلال تفعيل الاتفاقية الأفريقية لمكافحة الفساد، وتعزيز التعاون بين الدول الأطراف لضمان فاعلية التدابير والإجراءات الخاصة بمنع الفساد، والجرائم ذات الصلة فى أفريقيا وجاء ذلك في إطار تنفيذ مقررات الدورة 25 للقمة الافريقية التي عقدت في يناير 2017 .
وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها الساحة الافريقية تحركا جماعيا من قبل الاتحاد الافريقي للتصدي لظاهرة الفساد ، والحد من آثارها السلبية على شعوب القارة.. فقد سبق أن وقعت الدول الافريقية اتفاقية عام 2003 لمكافحة الفساد ، وهي الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ عام 2006 ، إلا أن حصيلة هذه الاتفاقية كان متواضعا للغاية حيث لم تسهم اسهاما حقيقيا في القضاء على الفساد في القارة أو الحد منه ، بل إن المؤشرات أظهرت عكس ذلك.
ويرى المحللون أن مكافحة الفساد في افريقيا تبدو مهمة صعبة للغاية ودونها العديد من العقبات على رأسها غياب الشفافية ونقص المعلومات والاحصاءت والارقام الدقيقة عن حجم الفساد.
وحسب تقرير لمعهد الدراسات الأمنية في جنوب افريقيا، فان مكافحة الفساد في افريقيا لا تتم بدوافع ذاتية تعكس إرادة دول القارة ،وانما تتم غالبا من خلال ضغوط خارجية تمارسها المنظمات الدولية والدول المانحة ، بقطع المساعدات وتوقيع عقوبات على الحكومات الافريقية في حال استمرارها في اهدار أموال هذه المساعدات والمنح، كما تفتقر مواجهة الفساد في افريقيا ، حسب التقرير الذي اعدته الباحثة " ليسل لو فودران " ، إلى الرؤية الشاملة التي تهدف لاقتلاع الفساد من جذروه وعلاج أسبابه ، حيث لا توجد خطط قانونية او مؤسسية في هذا الصدد.
ومع ذلك، يأمل الخبراء والمراقبون في أفريقيا أن يساهم هذا التحرك الجماعي الأخير من جانب القادة الأفارقة لإعلان الحرب على ظاهرة الفساد ، واعتبار 2018 عاما للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة ، في وضع حد لهذا الخطر الذي يستنزف مقدرات وثروات شعوب القارة ويصادر تطلعاتها في التنمية والعيش الكريم.