• برج إيفيل
    برج إيفيل


كتب: حسام ابراهيم

تجلت "الرمزية الثقافية لفرنسا المنفتحة" عالميا في الاهتمام الكبير من جانب مثقفين في شتى أنحاء العالم بمجريات معركة الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة والشعور الظاهر لمثقفين عرب بالارتياح حيال فوز مرشح الوسط إيمانويل ماكرون على منافسته مارين لوبان مرشحة اليمين الشعبوي المتطرف.

وواقع الحال ان هذه "الحالة الشعورية للمثقفين العرب" جزء من حالة ثقافية عالمية تجلت في الاهتمام الكبير والواضح من جانب مثقفين في شتى أنحاء العالم بنتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة التي بدت فيها مارين لوبان تشكل تهديدا "للرمزية الثقافية لفرنسا المنفتحة" .

وفي طرح ثقافي بعنوان "جمهورية الشعب..لغة خطاب الانتخابات الرئاسية الفرنسية" قال الكاتب ستيفن بوول في جريدة الجارديان البريطانية ان مفردات الخطاب الانتخابي لمارين لوبان مرشحة الجبهة الوطنية كان مشحونا "بالتخويف من الآخر" فيما سعت لتصوير نفسها بأنها "تتحدث باسم الشعب" بينما حاول ايمانويل ماكرون "الحديث باسم الجمهورية".

وأشار ستيفن بوول إلى أن إيمانويل ماكرون عمد بدوره في مفردات خطابه الانتخابي "لإثارة مخاوف الناخب الفرنسي بشدة من عواقب المستقبل" حال انتخاب مارين لوبان رئيسة لفرنسا فيما أبدى هذا الكاتب المعروف بطروحاته الثقافية المعمقة إعجابا بإعلان ماكرون "ان المقاتلين الذين يحتاجهم إلى جانبه في المعركة من أجل فرنسا الغد ليسوا من الخبراء أو التكنوقراط فحسب وإنما هو بحاجة ايضا للفنانين والمبدعين".

وكانت مارين لوبان قد تعهدت خلال حملتها الانتخابية في سباق الانتخابات الرئاسية بتعليق الهجرة إلى فرنسا واستخدمت "مفردات خشنة" ضد المهاجرين ضمن "خطاب شعبوي" لإرضاء قاعدتها الانتخابية المناهضة لتدفق المهاجرين على فرنسا.

ومع أن فوز ماكرون في الجولة الثانية والحاسمة للانتخابات الرئاسية الفرنسية لم يكن مفاجأة للكثيرين، كما اتفقت صحف ووسائل إعلام عديدة فإن أغلب هذه الصحف ووسائل الإعلام سواء في العالم العربي أو خارجه أبدت شعورا ظاهرا بالارتياح حيال انتصار مرشح "حركة إلى الأمام" المحسوبة على الوسط غير التقليدي.

والرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون البالغ من العمر 39 عاما والذي يتبنى أفكارا جديدة لتيار الوسط يرفض بوضوح الثقافة الانعزالية التي كانت مارين لوبان ترمي لتكريسها في فرنسا حال فوزها في الانتخابات الرئاسية كما انه يتبنى خطابا ثقافيا داعما للانفتاح سواء على المستوى الأوروبي أو على الصعيد العالمي.


وإذا كانت مارين لوبان - التي خسرت سباق الرئاسة الفرنسية يوم 7 مايو الجاري - قد استخدمت خطابا ثقافيا انعزاليا ومناهضا بشدة للمهاجرين لفرنسا في حملتها الانتخابية التي آلت للفشل فلاريب أن المستفيد الحقيقي من وضع كهذا هو التيار التكفيري الاستئصالي كما تعبر عنه جماعات التطرف والإرهاب فضلا عن التيار الإقصائي العنصري المتطرف والمعادي للإسلام كدين بقدر ما يناهض الثقافة العقلانية الغربية المرحبة بالتنوع والحوار والتي تعلي من قيم الحرية والإخاء والمساواة والتسامح وقبول الآخر.

ولظاهرة الإسلاموفوبيا" انعكاساتها السلبية المباشرة على المسلمين الأبرياء الذين يعيشون في دول الغرب، فيما يتعرض بعضهم لاعتداءات دون مبرر سوى تلك "الصورة الذهنية السلبية الناجمة عن ممارسات ولغة ومفردات الخطاب التكفيري الاستئصالي لجماعات التطرف والإرهاب التي تقسم العالم الى فسطاطين".

وفي مواجهة هذا الخطاب قد يكون من المفيد الإشارة لحقيقة مثل أن بعض أفضل الأطروحات الجامعية ورسائل الدكتوراه لباحثين في قضايا تتصل بالخطاب الديني الإسلامي والقضايا التي تهم المسلمين نوقشت أصلا في جامعة السوربون بباريس وغيرها من كبريات جامعات الغرب كرسالة الدكتوراه للإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الراحل الدكتور عبد الحليم محمود وكانت في التصوف الاسلامي عن موضوع "استاذ السائرين: الحارث بن اسد المحاسبي".

ومن الطريف والدال على تنوع الاهتمامات الثقافية للدكتور عبد الحليم محمود أن أول ما نشره قصة ترجمها عن الفرنسية من تأليف أندريه موروا كما ارتبط شيخ الأزهر الحالي الدكتور أحمد الطيب بعلاقات علمية وثيقة مع هذه الجامعة الفرنسية وأساتذتها الكبار وكذلك كان الحال في رسالة الدكتوراه لعلم آخر من أعلام الأزهر وهو العلامة الدكتور محمد عبد الله دراز والذي حصل على الدكتوراه في فلسفة الأديان من السوربون عام 1947وكانت الرسالة من شقين أحدهما "مدخل إلى القرآن الكريم" بينما شقها الثاني حول دستور الأخلاق في القرآن الكريم.

ولعل ارتياح المثقفين العرب بفوز ماكرون يعبر عن رغبة في إضافة لبنات جديدة لصرح ثقافة مفعمة بنفحات دفء القرابة الإنسانية والتواصل بين ضفتي البحر المتوسط وجدل التنوير ومقاومة الهجمات الظلامية وشرور الإرهاب..لعلها رغبة نبيلة في حياة أفضل للشعوب تحت سماء المتوسط لتتصافح ضفتا البحر وتتشابك الأحلام وتتهاوى لغة الكراهية وتتحول لأكفان ذكريات سيئة !.