• عيد العمال
    عيد العمال


كتب: حسام ابراهيم

تعلي مصر "قيمة العمل وثقافة الاتقان والابتكار" وهي تحتفل اليوم "الاثنين" بعيد العمال فيما تتبنى سياسات واضحة لتوفير فرص العمل وتعظيم الإنتاجية وزيادة الصادرات .
وواقع الحال إن مصر تحتفل بعيد العمال هذا العام وهي تمضي قدما في مشروعات قومية عملاقة كما يتطلع شعبها العظيم بالعمل والأمل لحصد بشائر ثمار مشاريع كمشروع المليون ونصف المليون فدان ومزارع الاستزراع السمكي ومشروع المليون رأس من الماشية ومشروع مدينة الآثاث ، ناهيك عن "مشروع الألف مصنع" ومشاريع الغاز الطبيعي والطاقة فضلا عن مشاريع تحديث البنية الأساسية التي تشكل شرطا جوهريا لأي عملية تنمية شاملة ومتوافقة مع معطيات العصر الرقمي وزمن الحداثة.
وسادت مشاعر الارتياح الجماعة الثقافية المصرية حيال كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في احتفالية عيد العمال التي أعلى فيها قيمة العمل واعرب عن تقديره الكامل لمجهودات كل عامل يكد ويعرق من اجل خدمة وطنه ونفع الناس مضيفا في كلمة اثناء احتفالية مصر بعيد العمال :"اشد على ايديكم واذكركم ان مصرنا العزيزة تنتظر منكم الكثير لنشيد معا اركان المستقبل لنا ولأجيال قادمة".
وأوضح الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته امس "الأحد" بالاحتفالية التي نظمها الاتحاد العام لنقابات عمال مصر ان حرص الدولة على الاحتفال سنويا بعيد العمال "يجسد تقديرها لما يقدمه العمال من عطاء في شتى ميادين الإنتاج ودورهم في دفع مسيرة التقدم" فيما لفت الى انه لا خروج من التحديات الخطيرة "الا من خلال العمل".
ولفت الرئيس السيسي الى أهمية الانتهاء بسرعة من انجاز حزمة التشريعات العمالية المنظمة لقضايا العمل والعمال والاستثمار وزيادة الاهتمام بالفئات التي تعمل في ظروف قاسية كالعمالة الموسمية وغير المنتظمة وتقديم التغطية التأمينية والتشريعية لتلك الفئات مع العمل على دمج القطاع غير المنظم لدعم الاقتصاد وتوفير الحماية للعاملين في هذا القطاع.
وفي سياق الاحتفال السنوي بعيد العمال ، أشارت تقارير صحفية إلى انه من المنتظر اقرار مجلس النواب لقانون العمل الجديد الذي يعيد التوازن المطلوب لعلاقات العمل في ضوء متغيرات سوق العمل والمشهد الاقتصادي كما يحقق التجديد والتحديث لمنظومة العمل وينظم بعدالة العلاقة بين أطراف هذه المنظومة مع توفير بيئة جاذبة للاستثمارات ومشجعة لزيادة فرص العمل.
ولعل تطوير المنظومة التعليمية وخاصة التعليم الفني بما يعزز ثقافة الابتكار و"التفكير خارج الصندوق" بات أمرا لا غنى عنه كاستجابة خلاقة لتحديات زمن الحداثة والعصر الرقمي والتطورات التقنية الهائلة في الصناعات المختلفة.
وتشجيع الابتكار والابداع والاختراع يعني تحويل الأفكار والتصورات الذهنية الى منتجات مادية وواقع اقتصادي ايجابي وخلق بيئة انتاجية تنافسية تفي بمعايير الجودة للمنتجات لزيادة القيمة المضافة وتعظيم الصادرات بقدر ما تحفز هذه العوامل عملية التنمية الشاملة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
واذ شهد المؤتمر الدوري الثالث للشباب الذي اختتم مؤخرا في الإسماعيلية "جلسة لمحاكاة مراحل الاقتصاد المصري" فان الرئيس عبد الفتاح السيسي يتبنى بوضوح خطابا ثقافيا داعما للابتكار والإبداع والاتقان بما يكشف عن ادراك عميق لأهمية الحلول غير التقليدية في مواجهة تحديات الواقع وسط ترحيب كبير من جانب المثقفين المصريين بمفردات هذا الخطاب الثقافي.
وفي خطابات سابقة ، وصف الرئيس عبد الفتاح السيسي اطلاق طاقات الابداع بأنها "تمثل الكفاح والنضال من اجل الوصول الى دولة حديثة في عالم اليوم" مشددا على ضرورة "اعمال الخيال في التعامل مع الظروف الصعبة الراهنة" ودعا الى اطلاق طاقات الابداع والخيال وتحديث الفكر في كل مؤسسات الدولة من اجل مواجهة التحديات التي لن تجدي معها الحلول التقليدية.
وجاءت هذه الدعوة في سياق تأكيدات مستمرة للرئيس عبد الفتاح السيسي على اهمية "التفكير خارج الصندوق" فيما يحث على الابتكار والتفكير بطرق غير تقليدية كما تجلى في لقاء كان قد عقده مع اعضاء المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية شدد فيه على اهمية العمل لتطوير وطرح افكار غير تقليدية لخفض عجز الموازنة ومكافحة الفقر والبطالة.
وتثير هذه الدعوة ردود أفعال مؤيدة وداعمة بين العديد من المثقفين المصريين فيما قال الدكتور ابراهيم عرفات استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة :"في تقديري يجب ان يتحمس كل مصري لدعوة السيد رئيس الجمهورية الى البحث عن حلول غير تقليدية ليس فقط في الاقتصاد وانما ايضا في السياسة" معتبرا ان "التفكير خارج الصندوق فضيلة لامراء فيها".
واذ يوضح عرفات ان "التفكير خارج الصندوق هو تفكير شامل غير قابل للتجزئة" ، يتفق العديد من المثقفين المصريين على أن "المناهج الدراسية تحتاج الى تغيير شامل بحيث تعتمد على مهارات التفكير والاستنتاج وليس الحفظ والتلقين" ومن ثم فانهم يرحبون بأي مبادرات لتشجيع مهارات التفكير الابتكاري.
وفي المقابل ، لفت العالم المصري الكبير الدكتور مصطفى السيد الأستاذ بمعهد جورجيا للعلوم والتكنولوجيا بالولايات المتحدة الى ان مستوى التعليم والبحث العلمي لن يتقدم الا اذا تحسن الاقتصاد المصري مشيرا لأهمية اجادة "فن تسويق الأفكار والاختراعات وعرضها على اصحاب رؤوس الأموال في مصر والخارج.
والأمر عند مثقف ومبدع مصري كبير مثل القاص الدكتور محمد المخزنجي يتمثل في ان مصر عليها النجاح في "امتحان التنمية او الصعود او النهضة بعد عقود من الفساد والافساد تراكمت فيها انقاض ونفايات التخريب والمحسوبية وقصر النظر وانعدام الضمير وتشويه السوية العامة".
ويؤكد المخزنجي أهمية الالتفات في اي بناء وأي تجديد "للثقافة والابداع والخيال" لافتا الى ان للخيال في قضايا التنمية في بلادنا ضرورة اكبر مما يتصور واضعو البرامج التنموية االأكاديمية " ومؤكدا على ان مشاكل الواقع تتطلب خيالا طليقا وخصبا ومبادرات ابتكارية وحلولا غير مسبوقة".
واكتسبت "ثقافة الابتكار" في مصر دعما لافتا منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مهام مسؤوليته الوطنية، فيما توج عام 2014 بمبادرة قومية اطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي تشجع ثقافة الابتكار وتتوالى ابداعات مبتكرين مصريين وخاصة من الشباب.
وجاءت ردود أفعال المثقفين المصريين ايجابية ومرحبة بمبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي "لمجتمع يتعلم ويفكر ويبتكر" وهي المبادرة القومية التي اطلقها في عيد العلم لتعبر عن ادراك عميق لأهمية ثقافة الابتكار وتستهدف توجيه اولويات الدولة نحو بناء الانسان.
وفى معرض تأكيده على اهمية انضباط مسيرة الانتاج والاقتصاد واشاعة "ثقافة العمل"-كان الكاتب والمحلل السياسى الدكتور حسن ابو طالب قد انتقد ظاهرة البحث عن المكاسب الفورية وتحول فكرة الثورة لدى البعض الى "المطالبة بالحقوق المصحوبة بالتوقف التام عن العمل والمساومة الخشنة وفق صيغة صفرية".
و"اذا كانت مصر قد ابتليت في مرحلة سابقة بسياسيين وناشطين حزبيين وبعض قادة رأي لم يكونوا على قدر المسؤولية ودفعوا بها الى الهاوية وحملوا البلاد ثمنا كبيرا فليس اقل من ان يتعلم المرء من اخطائه" كما قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور حسن ابو طالب.
والمؤكد ان مصر لا تحتمل في مرحلة حافلة بالتحديات الجسام ترف تعطيل الجهد المطلوب على صعيد الاقتصاد كما ان جماهير شعبها من الكادحين لايمكن ان يتسامحوا مع اى طرف يعمد لاجهاض هذا الجهد.
ومنذ عام 1950 ، قال مثقف وصناعي مصري كبير شغل منصب رئيس اتحاد الصناعات حينئذ وهو صبحي وحيدة في كتابه "في اصول المسألة المصرية" ان التعليم لن يغني عن المتعلمين شيئا ما داموا لا يجدون في الحياة اليومية ما يتصل به من ظواهر يستطيعون بمعالجتها "ان يطبقوا علمهم وينموا ملكاتهم ويرتفعوا الى الابتكار".
وكان الكاتب محمد سلماوى الذي شغل من قبل منصب رئيس اتحاد كتاب مصر قد اشار الى أهمية عنصر "الثقة" لجذب الاستثمارات و"وضع تصور واضح لمعالجة العقبات التى تواجه الاستثمار فى اطار سياسة واضحة ومعلومة سلفا".
وفى خضم هذا المشهد المصرى ، يبدو الاقتصاد عاملا حاسما وهذا امر ليس بالغريب سواء فى مصر او غيرها فكما يقول الكاتب الأمريكى باول كروجمان فى صحيفة" نيويورك تايمز" فان "الناتج القومى الاجمالى" بات صاحب الكلمة الحاسمة فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وفي سياق تناوله النقدي لكتاب صدر بالانجليزية بعنوان "امريكا ديمقراطية اشتراكية" للين كينورثي لاحظ مايكل توماسكي ان الصراع السياسي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري يفرز أحيانا خطابات ثقافية شعبوية ووعودا وردية لايمكن ان تكون مفيدة للمجتمع كما انها ضد الحقيقة .
ويضرب توماسكي عدة أمثلة من بينها خطاب للرئيس الأمريكي السابق باراك اوباما عن "حالة الاتحاد" جنح فيه نحو اطلاق وعود للمواطنين الأمريكيين حول تحسين الأوضاع الاقتصادية وزيادة الأجور دون ان يعالج قضايا جوهرية على هذا الصعيد مثل الافتقار للعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وهي قضايا من شأنها استمرار معاناة هؤلاء الذين كان يحدثهم عن زيادة الأجور.
والحزب الديمقراطي الذي تراجعت لغته العقلانية المعتادة كما يقول مايكل توماسكي دفع ثمن تصاعد خطابه السياسي الشعبوي الذي أسهمت فيه النزعة البلاغية لأوباما حتى في قضايا اقتصادية لا تحتمل التلاعب بالكلمات على أمل الانتصار في اللعبة الانتخابية مع الحزب الجمهوري.
وواقع الحال ان المجتمع الأمريكي عانى في ظل ادارة اوباما من أزمة حقيقية مع الايقاع البطيء للاصلاح واستعادة العافية الاقتصادية وكانت هناك تقديرات بأن نسبة البطالة في الطبقة الوسطى بكل أهميتها في هذا المجتمع بلغت 9 في المائة .
ومن هنا يشعر المثقفون المصريون بالارتياح لأن الرئيس عبدالفتاح السيسي ينتهج سياسة المصارحة وهو يكشف حقيقة الصورة وانه لا بديل عن العمل والانتاج مؤكدا ان "الدول لا تتقدم بالكلام وانما بالجهد والايثار والمثابرة" وموضحا ان "مصر تحتاج من ابنائها الكثير".
واذا كانت الفلسفات الاقتصادية فى الديمقراطيات العريقة تتعدد وقد تتصادم غير أنها تقدم رؤى وحلولا فمن ثم قد تدعو الضرورة لقراءة تجارب الشعوب والأمم فى معالجة قضايا الاقتصاد ومجابهة اشكالية البطالة فى خضم السعى لاستخلاص اجابات مباشرة وواضحة لأسئلة الواقع المصري وتحدياته المعقدة وصياغة "عقيدة اقتصادية مصرية من الواقع المصري ولصالح شعب مصر.
ومصر ماضية بقيمة العمل وثقافة الابتكار والاتقان للغد الأفضل..وطن عالي القامة يحقق الأماني في عيون الأطفال بالسنابل العالية وخضرة الأشجار وصروح المصانع وقبلة الشعراء على جبين الأيام القادمات وصباح يفتح باب النهار لكل المصريين..فيا وجه الكادح في الوطن ومن اجل الوطن سلاما في يوم عيدك.