• قوات مسلحة مصرية
    قوات مسلحة مصرية


كتب: حسام ابراهيم

إذا كان أعداء مصر والمصريين راغبين عبر الإرهاب الأسود في فرض التشاؤم واليأس على أوجه الحياة المصرية فإن أمانيهم المريضة لن تتحقق أبدا لأن اليأس لم يكن أبدا ولن يكون خيارا للمصريين.

فأي قراءة متعمقة للتاريخ الثقافي للمصريين تكشف بوضوح عن هذه الحقيقة بل وعلى النقيض فإن المعدن الأصيل لهذا الشعب العظيم يتوهج وتتجلى ثقافة المقاومة بالتفاؤل والأمل في خضم أوقات التحديات الجسام.

ومسألة التفاؤل والتشاؤم تفرض نفسها على البشر في الغرب والشرق معا وهي ظاهرة في الثقافة الغربية كما هي حاضرة في الثقافة العربية ومن الواضح أن "المنظور" الذي ينظر منه الكاتب أو المثقف يؤثر بشدة على رؤيته سواء كانت متفائلة او متشائمة.

وهذا "المنظور" كثيرا ما تحكمه ميول وأهواء وعوامل بعيدة عن الموضوعية مهما ادعى البعض خلاف ذلك حتى في الثقافة الغربية، غير أن الأمر قد يصل لحد الافتراء والعدوان العمدي على الحقيقة عندما تكون هناك نزعة إصرار على تحويل أي إنجازات إلى إخفاقات وتلوين المشهد ككل بالسواد بدافع الرغبة في إشاعة حالة من اليأس العام.

وتأمل التاريخ المصري على امتداده يكشف دون عناء عن أن التفاؤل سمة أصيلة للإنسان المصري مهما واجه من تحديات وأن إرادة الحياة عند المصري أقوى بكثير من عوامل التشاؤم ومثيرات الاكتئاب وأسباب اليأس.

ومن نافلة القول أن أعداء شعب مصر لا يمكن أن يشعروا بارتياح بعد أن توالت في الآونة الأخيرة تقارير ودراسات لمؤسسات ومجموعات استشارية دولية متخصصة في قضايا الاقتصاد والطاقة لتؤكد على أن مستقبل مصر واعد والصورة الاقتصادية القادمة مبشرة للغاية.

ويقول مثقف مصري كبير وعالم في الاقتصاد هو الدكتور جلال أمين "نعم التفاؤل يساعد على النهضة بل قد يكون شرطا من شروطها كما أن التشاؤم يؤخر النهضة ويعطل تقدمها" مشيرا إلى أن لديه من الأدلة التاريخية ما يرجح هذا الاستنتاج.
ويلفت الدكتور جلال امين إلى انه "ببعض التأمل يتبين أن الإصلاح في أي ميدان لا يحتاج في الحقيقة إلى معجزة..الأخصائيون سواء في الاقتصاد او السياسة او التعليم او الفكر الديني كثيرا ما يتكلمون وكأن المشكلة عويصة ومعقدة للغاية بينما نرى في الواقع انه متى بدأ اتخاذ خطوة واحدة صحيحة تتابعت الخطوات الصحيحة الأخرى بسرعة واقترن هذا بشيوع التفاؤل وصعود الآمال مما يسهل اتخاذ الخطوات التالية".

ويستشهد الدكتور جلال امين بأمثلة متعددة من بينها ما حدث في الواقع المصري من تقدم مبهر في مختلف مجالات الحياة في ثلاثينيات القرن التاسع عشر ثم في السبعينيات من ذاك القرن وكذلك في عشرينيات وخمسينيات القرن العشرين معيدا للأذهان أن "الآمال ارتفعت بسبب الإنجازات وبدأت تؤتي ثمارها فورا".

كما يضرب جلال أمين أمثلة للنجاح في القارات الثلاث التي كانت توصف "بالقارات السيئة الحظ" أي أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية حيث تحققت إنجازات مبهرة في أواخر سبعينيات القرن العشرين بالصين وقبل ذلك في الستينيات بكوريا الجنوبية وفي الثمانينيات بماليزيا وكذلك في البرازيل وجنوب افريقيا بقيادة نيلسون مانديلا.

ولا حاجة للقول بأن القوى والأطراف المناهضة لآمال وطموحات شعب مصر حريصة عبر منابرها وأدواتها الدعائية على تغذية الشعور بالتشاؤم بين المصريين والتشكيك في قيمة أي إنجاز والإيحاء بأنه لا حل للمشاكل ومن ثم فلا أمل في المستقبل مع أن هذا الشعب العظيم تمكن من قبل من مواجهة مشاكل وتحديات خطيرة.

والتشاؤم يعني ضمنا الانحياز لمضادات النهضة والتقدم والسقوط في هوة العدمية والارتهان للماضي مع استسلام لمعطيات واقع تريد قوى ظلامية فرضه على بلد كمصر انجب مفكرين ومثقفين مثل المثقف الوطنى والمفكر الاستراتيجى المصري جمال حمدان الذي حذر دوما من الاستسلام لليأس .

فجمال حمدان الذي تحل الذكرى الرابعة والعشرين لرحيله عن الحياة الدنيا يوم السابع عشر من شهر ابريل الجاري هو الذي قال :كل واقع بدأ خيالا وكل أمر واقع كان مجرد فكرة" وإذا كان "التفاؤل الحذر والفاعل يختلف تماما عن التفاؤل التواكلي الساذج فان البديل للتفاؤل هو اليأس أي الاستسلام" ومن هنا "فعلينا أن نناضل ونكافح والنصر لمن يريد".

ولعلنا اليوم أحوج ما نكون لتأمل وتطبيق أفكار لجمال حمدان مثل :"الدين للحياة, ولا دين بلا دنيا كما لا دنيا بلا دين,الجسم للدنيا والروح للآخرة والدين الوسطي يضع قدما في الدنيا وقدما في الآخرة" فيما رأى أن عدم التكيف مع حضارة العصر هي مشكلة المسلمين لا الإسلام.

وتكاد كلماته تنبض بالغضب والإدانة وهو يتحدث عن العالم الإسلامي الذي تحول إلى "دار حرب" وساحة لحروب عديدة لا تنقطع إما داخله بين دوله أو حروب أهلية داخل الدولة الواحدة معيدا للأذهان أن من أسوأ المسيئين إلى الإسلام بعض من أشد من يزعمون انهم يدافعون عنه !.

وقوة إرادة المصريين على حماية حريتهم ومنظومة قيمهم في مواجهة قوى الظلام والموت سبب قوي للتفاؤل رغم كل الآلام كما أن من حق كل مصري أن يحلم بالغد الأفضل على قاعدة الانتماء والإخلاص فيما لسياسات الأمل والإنجاز على ارض الواقع أن تعزز ثقافة المقاومة بقدر ما تهزم دعاوى اليأس والإحباط.

وإذا كانت الذاكرة الثقافية العربية تحتفظ بصيحة الكاتب المسرحي الراحل والمثقف السوري الكبير سعد الله ونوس في ذروة معاناته من المرض عام 1996 عندما قال :"إننا محكومون بالأمل" فإن ثقافة التفاؤل حاضرة في إبداعات ثقافية مصرية متعددة من بينها مثلا في الفن التشكيلي تلك اللوحات التي أبدعها الفنان حافظ الراعي الذي فقدته الساحة التشكيلية المصرية مؤخرا.

فأغلب لوحات حافظ الراعي عبر مسيرة فنية امتدت نحو 75 عاما كانت تنبض بالبهجة وتشيع روح التفاؤل ومن هنا لم يكن من الغريب أن يصفه نقاد "بفنان البهجة في الحياة الشعبية المصرية" والأمر لن يختلف من حيث الجوهر مع إبداعات مثقف مصري آخر هو محمد الغزالي الشهير بـ "الكابتن غزالي" الذي رحل بدوره مؤخرا وكانت حياته أمثولة للتفاؤل والمقاومة.

فالكابتن غزالي أو "شاعر السمسمية" هو الذي خاطب مصر قائلا :"عاشقك أمل وطريق" وهو الذي أسس فرقة "أولاد الأرض" بالسويس ومنطقة القناة لتبشر بالأمل في مرحلة عصيبة بعد حرب الخامس من يونيو 1967 وعندما سمع شاعر المقاومة الفلسطيني محمود درويش بعض إبداعات هذه الفرقة المصرية بقيادة الكابتن غزالي قال :"شعرت أنني أتحول إلى تلميذ مبتديء بمدرسة شعر المقاومة".

والحلم الذي يلزم العقل بتغيير الواقع للأفضل حاضر في اي ثقافة إنسانية سواء كانت شرقية أو غربية فيما يبقى "الحلم الواحد" والجامع لأفراد مجتمع ما هاما للغاية خاصة في المراحل الدقيقة والمنعطفات الحاسمة في مسيرة هذا المجتمع.

وفي كتابه:"الأرض المتصدعة" تناول الكاتب باتريك فلانري معنى الحلم الواحد لمجتمع ما مثل المجتمع الأمريكي الذي توحد على حلم "الحرية والعدالة للجميع" وخطورة تفريط النخب في هذا الحلم لأن التكلفة المجتمعية تكون في هذه الحالة مريعة وتدفع برجل الشارع لليأس.

والتفريط في الحلم الجامع لشعب ما يلحق أيضا أضرارا فادحة ويكرس انقسامات داخل المجتمع الواحد بحيث يكون لكل جماعة أو فئة حلمها الخاص والمتصادم مع الحلم العام تحت علم واحد في بلد واحد.

وفي لحظات مفصلية في تاريخ الوطن وبالرغم من كل الجراح لا يجوز التخلي عن ثقافة التفاؤل شريطة ألا يتحول هذا التفاؤل إلى أوهام وتهاويم بعيدة عن الواقع وفاقدة للقدرة على تغييره وألا يكون التفاؤل مرادفا غبيا للتخلي عن ثقافة الإتقان والأخذ بالأسباب..أحلامنا ليست ضائعة فهناك درب للرجاء وأسباب للتفاؤل وهنا شعب لم يكن اليأس أبدا خياره ..هناك درب للعمل وتلك ساعة للعمل والتفاؤل بمستقبل وطن عظيم.

أ ش أ