• دول بحيرة تشاد
    دول بحيرة تشاد


كتب : محمود الشناوي


تستمر التحذيرات الدولية بشأن كارثة إنسانية تهدد سكان دول بحيرة تشاد "النيجر – نيجيريا – الكاميرون – تشاد"، ويستمر معها سيل الوعود التي لا يصل منها إلى الضحايا سوى القليل، ولا يبقى في صناديق الدول المتضررة سوى "قبض الريح"، إلا أن الأمر الذي لا يقبل نقاش هو أن استمرار الأوضاع الأمنية والإنسانية على ما هي عليه ينذر بمأساة إنسانية، ربما تجعل المجتمع الدولي عاجزا عن معالجتها إذا ما استمرت تطورات الأوضاع على وتيرتها الحالية.
وتعد أزمة بحيرة تشاد مثالا واضحا على التحديات متعددة الأبعاد والمعقدة التي يواجهها المجتمع الدولي، حيث تتسارع التطورات بشكل لا يمكن اللحاق به أو معالجته بالشكل اللائق، فيما تتشعب الأسباب ما بين أمني وسياسي ومناخي، الأمر الذي يفرض حشد الجهود وتكثيفها بشكل شامل لتنفيذ جدول أعمال المنظمات الدولية 2030 وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، حتى يمكن تخفيف آثار الكارثة.
ويمكن للاحصائيات المتوافرة من عدة جهات تشادية ودولية أن تلقي مزيدا من الضوء على حجم الكارثة، وما يتطلبه من امكانيات لتخفيف اثارها، فالتقارير تشير إلى أن الحصول علي الخدمات الاساسية الضرورية لا تزال محدودة جدا بالنسبة لسكان إقليم البحيرة، فلا يوجد في الإقليم سوي 10 أطباء فقط ونسبة دخول الأطفال الي المدرسة لا تتجاوز 37%، كما يوجد 3 ملايين و300 الف شخص يعانون من حالة انعدام الامن الغذائي خلال الفترة من اكتوبر وحتي ديسمبر 2016.
فيما يعاني أكثر من 438 ألف شخص من سوء التغذية، ويوجد 452 مدرسة ولكن 18% منها مقفلة، بينما تبلغ نسبة الوصول الي الماء الصالح للشرب 44% من اجمالي عدد السكان البالغ 538 الف نسمة بمعدل 8 أشخاص لكل كلم مربع، ويوجد بالإقليم 3 مستشفيات و99 مركزا صحيا، ويوجد طبيب واحد لكل 53714 نسمة.
وقد تأثر إقليم بحيرة تشاد بشكل كبير بالأزمة الأمنية في نيجيريا منذ عام 2015، حيث أدت العمليات العسكرية والهجمات ضد القري وسرقة المواشي ووجود الألغام، إلي لجوء أكثر من 120 الف شخص الأمر الذي أدي إلي إضعاف السكان الاصليين في المنطقة بشكل كبير، كما أدت عملية غلق الحدود مع نيجيريا وتمديد حالة الطوارئ ومنع التحركات، إلى أثر سلبي علي الحالة الاقتصادية والغذائية للسكان الأصليين في الإقليم والأشخاص النازحين، حيث تمثل ذلك في رفع الأسعار وحدوث اختناق اقتصادي وتوقف عملية صيد الأسماك بسبب منع تحرك المراكب علي البحيرة.
فيما يواصل السكان هروبهم ونزوحهم بسبب انعدام الأمن وبحثا عن وسائل العيش، فبعد عمليات اللجوء والنزوح التي حدثت بأعداد كبيرة في العام 2015، تم تسجيل عمليات نزوح بأعداد قليلة في عام 2016 ، حيث تعتبر المعونات والمساعدات الإنسانية هي الوسيلة الوحيدة للعيش بالنسبة للاجئين والسكان المحلين، ويقوم بعض السكان بالمخاطرة بحياتهم والرجوع أحيانا إلي قراهم ومساكنهم مرة أخري بحثا عن مواد غذائية، أو القيام بالصيد أو الزراعة.
ويقول سنوسي عمران الأمين التنفيذي للجنة حوض بحيرة تشاد، إن الكارثة التي تنتظرها المنطقة وتعيش بعض تفاصيلها وبوادرها جرى عرضها في كل المحافل الدولية وقمم الأرض في ريو دي جانيرو وكوبنهاجن، إلا أنه لا توجد حتى الان اذانا صاغية. وهناك مشروع افريقي يقضي بتحويل مياه نهر اوبانجي ليصب في بحيرة تشاد بتكلفة قدرها 6 مليارات دولار أمريكي.
وأوضح أن البحيرة انكمشت، بنحو 90% من 25 الف كيلومتر عام 1963 إلى أقل من 1500 كيلومتر مربع عام، كما انخفض إنتاج الأسماك بمعدل 60% بينما شهدت أراضي الرعي تدهورا أدى إلى تناقص العلف الحيواني مع تأثر أوضاع الثروة الحيوانية والتنوع الحيوي.
وقد زار موفد (أ ش أ) بعض مواقع التصحر التي تعاني منها بحيرة تشاد، حيث لم تعد بحيرة تشاد كما كانت، ويظهر أن الصحراء التي تزداد تقدماً حولت القسم الأكبر منها إلى جزر منخفضة تحيط بها جداول ومستنقعات، الامر الذي يؤكد مخاوف منظمة الأغذية والزراعة (فاو) من أن بحيرة تشاد، التي كانت إحدى أكبر الكتل المائية في العالم، يمكن أن تختفي كليا في غضون 20 عاما بسبب تغير المناخ والضغط السكاني، بعد أن كانت مساحة هذه البحيرة تبلغ مليون كيلومتر مربع منذ آلاف السنين.
وأشار إلى أن احدى الشركات الصينية التى تعمل في مجال البحث والتخطيط وبناء الطرق، وعدت بتقديم الدعم الفني والمالي من اجل تحويل مياه النهر " اوبانجي ، حيث تكفلت الشركة بدفع مبلغ مليون و800 ألف دولار لتنفيذ المشروع.
ومن جانبه قال السفير دهم نجيب سفير مصر لدى تشاد لموفد (أ ش أ) في انجمينا أن كل المنظمات الدولية تؤكد أن هناك كارثة لعدة أسباب: أولها إرهاب "بوكو حرام" وعمليات النزوح التي تتواكب مع عدم قدرة تلك المنظمات على توصيل الغذاء لهم، مشيرا إلى أن استقرار الأوضاع في بعض المناطق يمكن أن يؤدي إلى تضاعف الكارثة، بسبب عدم قدرة المجتمع الدولي على توفير الامن الغذائي لهم.
وأكد أن مصر تستطيع تخفيف اثر الكارثة الانسانية، بسبب ما تمتلكه من خبرات خاصة في المجال الصحي، حيث إن مصر لها تجارب طويلة في مجال القوافل الطبية وتوفير العلاج واجراء العمليات في مختلف التخصصات.. موضحا في هذا الصدد أن قافلة طبية مصرية أنهت اعمالها وغادرت يوم السبت الماضي، حيث قامت بإجراء 4258 عملية جراحية.
واقترح السفير نجيب ان تقوم مصر بإنشاء مستشفى ميداني عسكري ، على غرار ما جرى في افغانستان داخل قاعدة باجرام، مؤكدا ان هذا الاجراء سوف يحفر اسم مصر في قلب افريقيا، بسبب قدرة الكوادر المصرية على تخفيف الالام وضبط الاوضاع الصحية لضحايا النزوح واللجوء والعنف.
وأشار إلى أن زيارة وفد مجلس الامن الدولي لمنطقة حوض تشاد، أسفر عن بروز توجهات دولية تقودها فرنسا لمحاصرة الكارثة، بالإضافة إلى منح مساعدات دولية لتشاد، باعتبارها الدولة الأكثر تضررا والأكثر استضافة للنازحين، مشيرا إلى أن السفير عمر أبو العطا مندوب مصر لدى مجلس الأمن شارك في تلك الزيارة أوائل مارس الجاري.
وليس ثمة شك في أن تضافر جهود المجتمع الدولي وتركزها على عدة مستويات تشمل المستوى السياسي، والمساعدة الإنسانية وحقوق الإنسان، والإنعاش والتنمية، والعدالة وإنفاذ القانون ومحاربة الإرهاب، والدعم الفني للقوى المشتركة متعددة الجنسيات، يمكن أن يوقف نزيف الخسائر ويخفض من تأثيرات الكارثة التي تنتظرها بحيرة تشاد، لأن الوقت بات متأخرا على أن يوقف تلك الكارثة كليا، فإذا استطاعت الجهود أن توقف العنف وآثاره، فإنها لن تستطيع مواجهة تحدي الطبيعة التي قضت أن تتقلص مساحة البحيرة حتى تختفي تماما.