• الإذاعة
    الإذاعة


تقرير/ شادية محمود
يمر غدا ( الأحد ) ٨٦ عاما على إنطلاق بث الإذاعة المصرية عبر الأثير ، والتي ارتبطت على مدار سنوات عمرها ارتباطا وثيقا بالحياة المصرية، وساهمت فى تشكيل وعى أجيال متعددة ، وكانت شاهدا على مراحل مهمة من تاريخ مصر، واشتركت في بعض الأوقات في صناعة تاريخ مصر والمنطقة بأكملها.
بدأت الإذاعة المصرية الحكومية بثها الأول في الساعة الخامسة والنصف من مساء يوم 31 مايو 1934 ، الذى خصص فيما بعد "عيدا للإعلاميين وللإذاعة المصرية " ، واستمع الشعب لأول مرة للبث الإذاعى الذى دوى منطلقا بجملة "هنا القاهرة " التى قالها بأسلوب حماسى الممثل المذيع أحمد سالم، أول صوت عرفته الإذاعة المصرية ، فكانت إيذانا ببدء عهد جديد فى مصر مع التطور ، ومثلت جملة " هنا القاهرة " الشهيرة فيما بعد إيقونة البث الإذاعى المصرى ، وهي جملة تعكس الاعتزاز بالوطن تتألق بها إذاعة البرنامج العام منذ الافتتاح وحتى يومنا هذا ، ويقولها المذيعون والمذيعات قبل بداية البرامج وفي الفواصل بحماس وبكل إنتماء ومن أعماق قلوبهم .
بدأت الإذاعة المصرية افتتاحها بآيات من الذكر الحكيم بصوت الشيخ محمد رفعت، تلاها إنطلاق صوت الآنسة أم كلثوم التي تقاضت ٢٥ جنيها نظير إحيائها للإفتتاح، وغني كذلك المطرب صالح عبد الحي، ثم مطرب الملوك والأمراء محمد عبد الوهاب وشمل برنامج الاذاعة القاء قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي ، وألقى الشاعر علي الجارم بصوته قصيدة تحية ثم عزف موسيقى قدمه الموسيقيان مدحت عاصم وسامي الشوا.
وكان سعيد باشا لطفي أول رئيس للإذاعة المصرية ، تلاه محمد بك قاسم ومحمد حسني بك نجيب ،ومحمد كامل الرحمان ومحمد أمين حماد ، وعبد الحميد فهمي الحديدي ، محمد أمين حماد ،عبد الرحيم سرور، ومحمد محمود شعبان ، وصفية زكي المهندس ، ثم فهمي عمر وأمين بسيوني ، وحلمي مصطفي البلك ، وفاروق شوشة وحمدي الكنيسي ، وعمر بطيشة ، ثم إيناس جوهر وانتصار شلبى ، وإسماعيل الششتاوي ، وعادل مصطفى ، عبد الرحمن رشاد ، و نادية مبروك، ومحمد نوار الذى يتولى حاليا مهام رئيس الإذاعة بموجب قرار حسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام.
وأشتهرت الإذاعة المصرية بفطاحل المذيعين وصارت مقترنة بأسمائهم، حيث كان أول مذيع مصرى الممثل الشاب الوسيم أحمد سالم ، وكان هناك ايضا أحمد سعيد أشهر مذيع مصري في حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي واخرين على قدر عال من الكفاءة والشهرة ومن بينهم ، طاهر أبو زيد، وبابا شارو، وآمال فهمي، وفضيلة توفيق، وصفية المهندس ، جمالات الزيادى ، إسعاد يونس ،فاروق شوشة وعواطف البدرى وغيرهم كثير.
وبحفلات أم كلثوم في الخميس الأول من كل شهر، كان المصريون يلتفون حول المذياع فى البيوت والمقاهى ، وبالدراما الإذاعية ينتظرون المسلسل الإذاعي الذى يذاع فى الساعة الخامسة والربع عصر كل يوم ، والذى تحرص الإذاعة عليه حتى يومنا هذا ، فقد كان محل اجتماع الأسرة حول المذياع ليستمتعوا بمسلسلات سمارة وريا وسكينة وزعتر أفندى وموهوب وسلامه وشنبو فى المصيدة ، وكذلك الأوبريتات الغنائية الشهيرة على بابا والداندورما ، وبرامج (أبلة فضيلة، وربات البيوت، وجرب حظك، وعلى الناصية).
لقد حافظت الإذاعة المصرية على مدار أكثر من ٨ عقود على تألقها بتطوير وتحديث برامجها وكافة الأعمال المقدمة عبرها بشكل دائم لتتوافق مع الذوق العام للمستمعين ، الأمر الذى ضمن لها الإستمرار بقيامها بدورها الحيوى فى المجتمع ، فى ظل المنافسة الشرسة من وسائل الإعلام المختلفة التى تموج بها الساحة الإعلامية حاليا ومواقع التواصل الإجتماعى ، ولهذا ظلت الإذاعة محورا رئيسيا فى عالم الإعلام لسهولة ويسر استقبال بثها ، وإمكانية وصوله للمناطق النائية ، فضلا على ما يتيحه الإستماع إليها من إطلاق العنان للخيال والتصور وعمق التركيز.
وواكبت الإذاعة المصرية حقبة مهمة عاشتها مصر فى قلب الأحداث فى عالمها العربى والأفريقى والدولى وتفاعلت معها كوسيلة جماهيرية فعبرت عن نبض الشارع وهمومه وآلامه وأفراحه وانتصاراته وكانت ولا تزال المرآة الصادقة لمسيرة الشعب وتاريخه ، وحكى ماسبيرو هموم الوطن وقضاياه السياسية وحاربت برامج الإذاعة المصرية الاستعمار وقاومت الاحتلال فكانت ضمير الأمة المصرية والعربية على مر السنوات‫ ، ولا أحد يستطيع أن ينكر دورها سياسيا إلى جانب دورها المجتمعى.
لقد كانت الإذاعة المصرية المحرك والعامل الرئيس لنجاح ثورة 23 يوليو عام 1952 وصبيحتها أعلن البكباشى أنور السادات أول بيان عن الثورة من ميكروفون الإذاعة، وتجاوبت الجماهير مع البيان وتوالت برقيات التأييد الفردية والجماعية على الإذاعة, التى ظلت تعلنها على الرأى العام ، وقامت الإذاعة بتقديم الثورة للشعب المصرى وللعالم أجمع، بالإضافة لإذاعة العديد من البرامج والأغانى والأحاديث لإعلام الشعب بالثورة وأهدافها ومبادئها التى قامت من أجلها.
وما زالت الإذاعة تلعب دورا هاما في حالات الطوارئ والأزمات حيث مصداقيتها ودقة الحصول على المعلومة ، والإجابة على تساؤلات المستمعين من خلال حوارات بناءة مع الضيوف من المتخصصين وجمهور المستمعين ، إلى جانب دورها كقوى ناعمة فى تعزيز حرية التعبير، وتشجيع الاحترام المتبادل والتفاهم بين الثقافات..وستظل قوة الإعلام الناعمة وأقوى وسائطه فى العصر الحديث وأكثرها تأثيرا ، خاصة بعدما بات من اليسير الاستماع اليها فى السيارة وفى أى مكان ، وتحية لصمودها أمام المنافسين لها ، حيث مازال أغلب الجمهور المصرى يفضلها في المقام الأول، وتساهم فى تشكيل ثقافته وتفكيره.