• ترامب
    ترامب


تقرير: أحمد تركي
تصاعدت حدة المواجهات الكلامية بين أمريكا والصين مجدداً، على خلفية انطلاق فيروس كورونا من الصين إلى دول العالم، ليتجاوز عدد المصابين به أكثر من ثلاثة ملايين، وفتحت جبهات غربية أخرى ضد الصين، وبات الحديث عن احتمالات مواجهة جديدة بين الصين ودول غربية إثر تنامي الحديث عن مطالب لبكين بتعويضات بسبب مسؤوليتها المفترضة عن انتشار الوباء.
وكانت الحكومة الصينية اتهمت الولايات المتحدة في الثالث من فبراير 2020، بالمبالغة في رد الفعل على التفشي وتأجيج الذعر، واستنكرت كذلك إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تسمية كورونا بالفيروس الصيني.
تجدد الاتهامات والمطالب
ومع تطورات الأحداث حول الفيروس، وتداعياته على مستقبل الاقتصاد الأمريكي بل والعالمي، تجددت مطالبات الرئيس الامريكي، دونالد ترامب الذي قال "إنه قد يسعى للحصول على تعويضات من الصين، مشيراً إلى وجود وسائل كثيرة للمحاسبه، وأضاف ترامب، خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض: "نحن مستاؤون من الصين.. لسنا راضين لأننا نعتقد أنه كان بالإمكان وقف (الفيروس) في مصدره". وأكد عزم بلاده على المطالبة بتعويضات، على غرار ما فعلت ألمانيا.
وردّت بكين بغضب على هذه المطالب والانتقادات، واتهم المتحدث باسم الخارجية الصينية، السياسيين الأمريكيين بإطلاق ما سماه "أكاذيب مكشوفة".
وأوضح ترامب قائلاً "إذا كانت ألمانيا تدعو الصين إلى دفع مبلغ 165 مليار دولار، فإننا سنطالب بتعويضات أكثر، نحن نتحدث عن أموال أكثر بكثير مما تتحدث عنه ألمانيا ولم نحدد المبلغ النهائي، إنه سيكون كبيراً للغاية".
في سياق متصل، اتهم المستشار التجاري للبيت الأبيض بيتر نافارز، الصين بإرسال اختبارات للأجسام المضادة منخفضة الجودة ومزيفة إلى الولايات المتحدة. وقال إن "الصين تحاول الاستفادة من الوباء وبيع شحنات من الاختبارات المزيفة".
وزادت حدة الانتقادات الأمريكية ضد الصين وأرسل مشرعون جمهوريون مذكرة من 57 صفحة تتهم الصين بإخفاء معلومات عن الفيروس وتحمل بكين المسؤولية عن الفشل في احتواء تفشي الوباء.
ثم انتقل الصراع الكلامي بين واشنطن وبكين إلى ساحة مجلس الأمن، حيث عرقلت الولايات المتحدة والصين أمس /الخميس/ مشروع قرار فرنسي - تونسي في مجلس الأمن الدولي، يدعو إلى تعزيز التنسيق بمواجهة وباء "كوفيد – 19".
وينص المشروع على دعم دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 23 مارس الماضي إلى وقف إطلاق نار عالمي تسهيلاً لمكافحة تفشي الفيروس، ويطلب المشروع "وقفة إنسانية لتسعين يوماً" لإتاحة نقل مساعدات إلى السكان الأكثر تضرراً في الدول التي تواجه نزاعات.
وعن خلفيات عرقلة بكين وواشنطن للتصويت، أوضح مراقبون أن الصين تريد "ذكر منظمة الصحة العالمية" في مشروع القرار، في حين أن الولايات المتحدة ترفض ذلك.
فبعدما أثنى في بداية العام على منظمة الصحة العالمية، انقلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عليها، موجهاً إليها الانتقادات، ومعتبراً أنها تفتقر للشفافية ولم تحذر مبكراً من المخاطر العالمية التي يفرضها الوباء.
وباستثناء مؤتمر عبر تقنية الفيديو كونفرانس في التاسع من أبريل، بطلب من ألمانيا وإستونيا، لم يناقش مجلس الأمن مسألة الأزمة الصحية التي تعد الأخطر على العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
وخلافاً لمجلس الأمن، اعتمد أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة البالغ عددهم 193 دوله، قرارين حول الوباء، أولهما يدعو إلى التعاون والثاني يطالب بوصول عادل إلى كافة الدول للقاحات مستقبلاً، إلا أن قرارات الجمعية العامة غير ملزمة.
وفي مرحلة أخرى، توسعت المواجهة الكلامية بين واشنطن وبكين لتصل إلى اتهامات ترامب للصين بأنها تريد أن يخسر الانتخابات المقبلة، وقال دونالد ترامب إنه يعتقد أن أسلوب إدارة الصين لأزمة فيروس كورونا دليل على أن بكين "على استعداد لبذل كل ما في وسعها"، لكي ينهزم في محاولته الفوز بالرئاسة لفترة ثانية في انتخابات نوفمبر المقبل.
ويرى مراقبون أن ترامب قد دأب على تحميل الصين مسؤولية الجائحة العالمية التي أسفرت عن وفاة ما لا يقل عن 60 ألف شخص في الولايات المتحدة، وزجت بالاقتصاد الأمريكي في كساد عميق وعرضت للخطر آماله في الفوز بولاية ثانية مدتها أربع سنوات.

مستقبل الاقتصاد العالمي
ورغم أن الصراع الاقتصادي القائم بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين قد ألقى بظلاله على الاقتصاد العالمي ككل، فإن تأثيرات فيروس كورونا ستكون هي التحدي الأصعب الذي يواجه الاقتصاد العالمي في المرحلة القادمة.
إذ يشير تقرير وكالة أونكتاد (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) إلى أن الأزمة التي تسبب بها كورونا ستؤدي إلى ركود في الاقتصاد العالمي، وهو ما سيتسبب في انخفاض النمو السنوي العالمي لهذا العام بنسبة 2,5%، وقد يسوء الوضع إلى درجة تسجيل عجز في الدخل العالمي بقيمة 2000 مليار دولار.
وذلك يعني انهيار الاقتصاد العالمي ككل، فيما يشبه الكساد الكبير الذي أعقب الأزمة الاقتصادية لعام 1929 من القرن الماضي، حيث كان تأثير تلك الأزمة مدمراً على كل الدول بلا استثناء، خصوصاً أن الاقتصاد العالمي لم يتعافَ بعد من تأثيرات الأزمة المالية التي حدثت في عام 2008، نتيجة للهشاشة المالية للنظام الاقتصادي العالمي.
وبعد عدة جولات من الصراعات التجارية، نجح الطرفان الأمريكي والصين في منتصف يناير 2020 في التوصل إلى أول مرحلة من الاتفاق التجاري الذي تضمن إجراءات حول "حقوق الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا والمنتجات الغذائية والزراعية، والخدمات المالية وسعر الصرف والشفافية وزيادة التجارة والتقييم المتبادل وتسوية المنازعات".
إذ تعهدت الصين فيه بشراء بضائع أمريكية إضافية بقيمة 200 مليار دولار خلال السنتين المقبلتين تتضمن المنتجات الزراعية الأمريكية، والحفاظ على استقرار عملتها، وفتح أسواق الخدمات المالية أمام الشركات الأمريكية، مقابل إلغاء الولايات المتحدة الأمريكية الرسوم الجمركية المفروضة على سلعها، ومن بينها الهواتف الذكية بنسبة 16% مقارنة بـ25% التي فرضت سابقاً.
ووفقاً لتقارير، فإن تداعيات تفشي فيروس كورونا، قد يلغي النتائج المتحققة من هذا الاتفاق، وهو ما سيضر بالاتفاق التجاري بين البلدين، وسيلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي ككل.
فقد أعلنت وزارة التجارة الأمريكية أن اقتصاد الولايات المتحدة انخفض بمعدل سنوي نسبته 4.8 في المائة، خلال ‏الربع الأول من العام الحالي، الذي انتهي في مارس الماضي.‏
وأوضحت أن التراجع في الناتج المحلي الإجمالي، كان مدفوعاً ‏بهبوط الإنفاق الاستهلاكي، الذي يمثل 70 في المائة من النشاط الاقتصادي الأمريكي، حيث هبط إنفاق ‏المستهلكين بمعدل سنوي بلغ 7.6 في المائة خلال الفترة نفسها، وهو أكبر انخفاض له منذ عام 1980.
‏وبينما ينزلق الاقتصاد الأمريكي إلى ما يشبه أسوأ ركود علي الإطلاق، يعلق بعض الاقتصاديين الأمل في أن التعافي ‏سيصل بسرعة وقوة بمجرد حل الأزمة، ومع ذلك، يخشي المحللون من أن الاقتصاد يمكن أن يواجه صعوبات في التعافي واستعادة زخمه، حتى بعد أن ‏تخفّ حدة انتشار الفيروس.‏
وفي نفس الوقت ، يرى بعض الاقتصاديين أن الدول التي تتعافي مبكراً من هذا الفيروس، وتعاود أنشطتها الاقتصادية تستطيع دفع عجلة الاقتصاد للأمام، وتستطيع أن تستحوذ على الحصة الأكبر من الاقتصاد العالمي، وهنا يكمن جوهر الخلاف الأمريكي الصيني.