• ماكرون
    ماكرون


تقرير: هبه الحسيني
تستعد فرنسا للبدء في تخفيف إجراءات العزل المفروضة جراء تفشي فيروس (كورونا) المستجد بعد أن وافق البرلمان الفرنسي، أمس، على الخطة التي تقدمت بها الحكومة الفرنسية لرفع الحظر الصحي المفروض في البلاد منذ 17 مارس الماضي، في محاولة للعودة تدريجيا إلى الحياة الطبيعية ، أملا في إنعاش الاقتصاد المنهك دون التسبب في ظهور الوباء مرة أخرى.
وكانت الحكومة الفرنسية قد عرضت أمس خطتها للتخفيف من الحجر الصحي ابتداء من 11 مايو المقبل، حيث أوضح رئيس الحكومة إدوارد فيليب، أن الخروج من العزل المنزلي سيتم بشكل مختلف حسب المناطق والمقاطعات وفقا لدرجة تأثر كل منها بالفيروس، مشيرا إلى أنه سيتم إعادة فتح المدارس اعتبارا من 11 مايو لرياض الأطفال والمرحلة الابتدائية، و18 من الشهر ذاته لطلاب المدارس الإعدادية، لافتا إلى أن ارتداء الكمامات سيصبح "إلزاميا".
وأوضح فيليب أنه اعتبارا من 11 مايو المقبل، سيكون بقدرة فرنسا إجراء 700 ألف فحص أسبوعيا لكشف الأشخاص الذين يعانون من أعراض (كورونا) مشيرا إلى توافر كمامات كافية في البلاد لتلبية الاحتياجات، كما أعلن أنه بدءا من التاريخ ذاته سيتم فتح كافة المتاجر الغذائية باستثناء المطاعم والمقاهي، مع استمرار إغلاق صالات السينما والمسارح وكبرى المتاحف، مؤكدا على ضرورة الالتزام بإجراءات الوقاية الصحية.
ومن بين الأمور أيضا التي اشتملت عليها خطة الحكومة الفرنسية فتح 60% من النقل العام في العاصمة (باريس) مع التأكيد على ضرورة التخفيف على النقل العام والالتزام بارتداء الكمامات، مطالبا المواطنين "بعدم التنقل سوى لأغراض الضرورة".. كما أشار فيليب إلى تأجيل الرياضات الاحترافية، ومن ضمنها كرة القدم، حتى سبتمبر المقبل لتفادي وقوع انتكاسة وتفشي الوباء من جديد.
وتأتي خطة الحكومة الفرنسية للتخفيف من قيود الحظر المفروضة في وقت يعاني فيه الاقتصاد الفرنسي من أوضاع متردية وغير مسبوقة بفعل التداعيات المتواصلة لفيروس (كورونا) المستجد، حيث يتفق المراقبون على أن فرنسا تعيش حاليا أسوأ ركود لها منذ الحرب العالمية الثانية، فهي من أكثر الدول المتضررة من تداعيات الوباء، وهو ما ساهم في إضفاء حالة من الغموض حول مستقبل اقتصادها الذي يعمل حاليا بنحو ثلث نشاطه تقريباً عن المعدل الطبيعي.
وكانت الحكومة الفرنسية قد قررت زيادة خطّة الدعم الاقتصادي للبلاد من 45 مليار يورو إلى 110 مليارات يورو بعدما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في منتصف الشهر الجاري استمرار إجراءات الإغلاق الصارمة حتى 11 مايو المقبل.
وفي هذا السياق أوضح وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، أن خطة الدعم هذه تهدف إلى مساعدة الشركات ومنعها من الإفلاس، وتجنّب البطالة الجماعية، ووقوع مزيد من الانهيار الاقتصادي في البلاد، متوقعا أن ينكمش اقتصاد بلاده بنسبة 8% خلال العام الجاري.
وتراجع إجمالي الناتج المحلي الفرنسي بنحو 6% في الربع الأول من 2020، ويعد هذا الأداء الفصلي الأسوأ للاقتصاد الفرنسي منذ عام 1945. وكان إجمالي الناتج المحلي قد تراجع بنسبة 0.1% في الربع الأخير من العام الماضي، وفقا لآخر بيانات صادرة عن معهد الإحصاء، وهو ما يعني بدوره أن الاقتصاد الفرنسي بات يعاني من الركود نتيجة تراجع النمو لفصلين متتاليين.
إضافة لذلك فإن قطاع السياحة، الذي يمثّل نحو 10% من الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد، سيظل متوقفا لفترة في ضوء استمرار غلق الحدود، وهو من أكثر قطاعات الاقتصاد الفرنسي تأثرا بالأزمة، حيث إن فرنسا تُعدّ الدولة الأكثر استقطاباً لزيارات السيّاح في العالم وتستقبل نحو 90 مليون زائر أجنبي سنويا، وفي ضوء تراجع أعداد السياح فإن هناك ملايين المهددين بفقد وظائفهم سواء من أصحاب الفنادق والمطاعم، أو المرشدين السياحيّين أو أي من العاملين في هذا القطاع، وهو ما يشكل عبئا إضافيا على الاقتصاد.
وبشكل عام، ساهمت أزمة (كورونا) في رفع شعبية الرئيس ماكرون ورئيس حكومته إدوارد فيليب.. حيث حظيت سياسات الحكومة منذ البداية على تأييد شريحة واسعة من المواطنين، لاسيما بعد خطاب ماكرون الذي ألقاه - في 16 مارس الماضي - والذي أظهرت استطلاعات الرأي أنه أقنع غالبية الفرنسيين بفاعلية إجراءات الحظر الصحي المفروضة، ولكن بات لافتا مؤخرا تراجع هذه الثقة بمعدلات طفيفة نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وحالة الترقب التي سادت بين المواطنين حول أهمية تخفيف الإجراءات وعودة المدارس، فضلا عن نقص بعض المواد الطبية والكمامات، ومع ذلك لاتزال نسبة التأييد لماكرون ورئيس حكومته أفضل من مرحلة ما قبل بدء الأزمة.
وحول خطة الحكومة في تخفيف إجراءات الحظر الصحي، أظهر استطلاع للرأي نشره معد (أودوكسا) الفرنسي أمس، أن 65% من المستطلعة أرائهم تشكك في فعالية الخطة التي قدمتها الحكومة، بينما أبدى 85% من مؤيدي الحزب الحاكم "الجمهورية الى الامام" دعمهم لخطة الحكومة في تخفيف إجراءات العزل وثقتهم في فاعليتها.
وفي ضوء ماسبق، يبدو جليا أن أزمة (كورونا) وضعت الرئيس ماكرون وحكومته أمام اختبار صعب، فالجميع يترقب مدى فعالية الخطة الحكومية في التعامل مع هذه الأزمة غير المسبوقة وقدرتها على الخروج بالبلاد من هذا النفق المظلم، دون المخاطرة بالوقوع في موجة جديدة من الوباء، ويعد هذا الأمر بالغ الأهمية للرئيس الفرنسي الذي يسعى لتعزيز شعبيته بين المواطنين وإثبات قدرته على إدارة الأزمات بفاعلية، أملا في تحسين فرصه في الفوز بولاية رئاسية جديدة في انتخابات 2022.