• ماكرون
    ماكرون


تقرير: هبه الحسيني

جاءت قمة نابولي، التي عقدت الخميس الماضي وجمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي بمدينة نابولي الإيطالية، لتدشن مرحلة انفراجة في مسار العلاقات بين فرنسا وإيطاليا بعد سنوات من التوتر الذي خيم على علاقات البلدين.
وهذه القمة الفرنسية الإيطالية الـ 35 تعد الأولى من نوعها منذ ثلاث سنوات حيث خيم التوتر على علاقات البلدين الفترة الماضية في ضوء فترة حكم الائتلاف الحكومي بين حركة "خمس نجوم" بقيادة لويجي دي مايو، وحزب الرابطة اليميني المتطرف بقيادة ماتيو سالفيني.
وانتقد كل من سالفيني ودي مايو في أكثر من مناسبة سياسات ماكرون الخارجية خاصة تلك المتعلقة بملف الهجرة كما انتقدا أيضا سياسته الداخلية وطريقة إدارته لأزمة السترات الصفراء مما أثار حفيظة باريس التي نددت "بالتدخل بشؤونها الداخلية".
ووصلت الأزمة إلى ذروتها في فبراير الماضي عندما تم استدعاء السفير الفرنسي في إيطاليا على خلفية اتهام الوزير الإيطالي دي مايو باريس بترسيخ الفقر في أفريقيا والتسبب في تدفق المهاجرين بأعداد كبيرة إلى أوروبا، وهو ما اعتبر أخطر أزمة دبلوماسية بين البلدين منذ عام 1945.
ولكن بدأ التحسن التدريجي في العلاقات بعد تشكيل حكومة جوزيبي كونتي الجديدة في سبتمبر الماضي، والمكونة من حركة خمس نجوم والحزب الديموقراطي من يسار الوسط، وخروج سالفيني من الحكومة.
ويرى المراقبون أن انعقاد القمة الفرنسية الإيطالية في هذا التوقيت يمثل أهمية ملحوظة سواء على صعيد العلاقات الثنائية بينهما أو على المستوى الأوروبي. فالبلدان يواجهان مجموعة من التحديات الخطيرة خلال المرحلة الراهنة وبالتالي فإن التنسيق بينهما يعد أمرا أوليا لمواجهة هذه التحديات والحفاظ على مكانتهما الدولية.
وأشاروا إلى أن تحسن العلاقات بين باريس وروما من شأنه أن يدعم قوة الكتلة الأوروبية لاسيما بعد الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي ووقوع "بريكست" في 31 يناير الماضي، ورغبة التكتل في تعزيز وحدته والحفاظ على قوته وثقله على الساحة الدولية وسط أقطاب العالم.
وحرص الجانبان الفرنسي والإيطالي خلال القمة على التركيز على أهمية تعزيز العلاقات الثنائية، كما حرصا على إظهار التوافق في مواقفهما إزاء معظم القضايا ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها مستقبل الاتحاد الأوروبي، وقضية المهاجرين، والأزمة الليبية، والوضع في سوريا، وأزمة كورونا التي أصبحت تشكل ذعرا لمختلف دول العالم.
وأكد كونتى أن القمة تعد "قفزة نوعیة" في العلاقات الثنائية خاصة على الصعید الاقتصادي بعدما التزم الطرفان خلالها بمواجهة التحدیات التي تواجه البلدین والاتحاد الأوروبي، مؤكدا رغبة البلدين في العمل معا لجعل الاتحاد الأوروبي أكثر قوة وتضامنا وأمانا.
من جانبه، قال الرئیس ماكرون إنه "بفضل عمل كونتى والرئیس الایطالي سيرجيو ماتاریللا نعثر الیوم على طریق مشترك لتمثل هذه القمة "إعادة إطلاق للعلاقات الفرنسیة الایطالیة" التي لا تقتصر أهميتها على البلدین فحسب ولكنها تمثل عنصر التوازن والدینامیكیة للاتحاد الأوروبي.
وتطرق الجانبان خلال القمة لأهم القضايا المشتركة على الساحة في المرحلة الراهنة ومنها مشروع موازنة الاتحاد الأوروبي الذي تم مناقشته في القمة الأوروبية الاسبوع الماضي، والذي أبدى كونتي عدم رضاه تجاهه، وشدد على ضرورة العمل للتوصل لحل وسط صالح لمتابعة "جدول الأعمال الاستراتیجي للاتحاد الأوروبي"، مشیرا في الوقت ذاته إلى أن ایطالیا وفرنسا تعملان لتقریب وجهات النظر الأوروبیة من أجل "تحقیق اتحاد مصرفي" أوروبي.
وبدا واضحا أن باريس وروما باتتا "على خط واحد" في قضية استقبال المهاجرين العابرين للبحر المتوسط، وهو ملف كان البلدان يختلفان حوله بشكل قطعي، حيث تشاطرا وجهات النظر حول الحاجة إلى "إدارة هيكلية لتدفقات الهجرة ولیس في حالات الطوارئ فقط"، مع التأكيد على استعداد البلدين العمل سویا للترویج "لشراكة متساویة مع أفریقیا" من أجل حل قضیة الهجرة.
وفيما يتعلق بالأوضاع في ليبيا، والتي كانت دائما محل خلاف بين البلدين، أشاد الرئيس ماكرون بالتنسيق بين روما وباريس حول هذا الملف . مؤكدا أن التعاون الإیطالي الفرنسي بشأن لیبیا يعد أساسيا لفرض احترام الحظر المفروض على تورید الأسلحة.
وبالنسبة للأزمة السورية، أدانت إيطاليا وفرنسا الهجوم الأخير على إدلب واصفين إياه بـ”غير المقبول"، وطالبتا “جميع الأطراف المعنية” بـ”الكف فوراً عن الأعمال القتالية والبدء في وقف دائم لإطلاق النار” هناك، والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول دون عائق وبشكل مباشر إلى جميع المحتاجين”.
كما أكد الجانبان دعم بلادهما للمبادرات الرامیة إلى الحد من التوترات في منطقة الخلیج، حیث ھناك حاجة إلى وضمان حریة وسلامة الملاحة في مضیق ھرمز، وجددا دعمهما لإطلاق البعثة الأوروبیة للمراقبة البحریة في مضیق ھرمز، والتي بدأت أنشطتها في الشهر الماضي.
وحول انتشار فيروس كورونا، أوضح رئیس الوزراء الإيطالي أن "إغلاق الحدود بین إیطالیا وفرنسا سیكون "ضررا اقتصادیا بلا رجعة" وبالتالي "غیر عملي"، بينما أكد الرئیس ماكرون أن بلاده لن تغلق حدودها مع إيطاليا، مشددا على دعم فرنسا لإيطاليا في مواجهة هذا الفيروس الخطير، والذي انتشر بشكل سريع في مناطق الشمال الإيطالي.
وشهد ماكرون وكونتي توقیع مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين الجانبين منها اتفاقیة للتعاون الدفاعي في مجال بناء السفن والصناعات العسكریة، ومذكرة تفاھم للتعاون العلمي والأبحاث في القارة القطبیة الجنوبیة، وإعلان مشترك في مجال دعم الاستثمارات والشركات.