• مهرجان قلعة صلاح الدين
    مهرجان قلعة صلاح الدين


كتب: حسام ابراهيم

بين عبق التاريخ وروعة التراث وابداعات الفن تحول "مهرجان قلعة صلاح الدين" الذي يختتم فعاليات دورته الثامنة والعشرين غدا "الأحد" لقصة نجاح مصرية ولحالة مبهجة من الزخم الثقافي والفني بقدر مايؤكد الحضور الجماهيري الحاشد على مدى ترحيب الجماهير بمحتواه الفني الراقي.
وهذا المهرجان الذي بات من أبرز المهرجانات الفنية والثقافية في مصر والعالم العربي حافل بإمكانات تعظيم مكاسبه على كل الأصعدة في وقت أمست فيه تلك النوعية من المهرجانات تحظى باهتمام عالمي كبير.
وإذ يتردد اسم"مسرح المحكى" في سياق العروض الحالية للمهرجان الكبير في قاهرة 2019 ، تقول كتب التاريخ أن قلعة صلاح الدين التي تحتضن هذا المسرح كان البطل صلاح الدين الأيوبي قد شرع في بنائها عام 1176 الميلادي فوق جبل المقطم في موضع كان يعرف "بقبة الهواء" غير أنه لم يتم في حياته ليكمل بناءها السلطان الكامل بن العادل في عام 1183.
وقلعة صلاح الدين التي تحظى في العصر الرقمي بصفحة على موقع "فيس بوك للتواصل الاجتماعي" تعد من أعظم القلاع في العصور الوسطى ولها عدة أبواب تاريخية تحمل أسماء "باب المقطم والباب الجديد والباب الوسطاني وباب القلعة" بينما تحمل ابراجها أسماء "المقطم والصفة والعلوة وكركيلان والطرفة والمطار والمبلط والمقوصر والامام والرملة والحداد والصحراء فضلا عن البرج المربع".
وتضم قلعة صلاح الدين" قصور الجوهرة والحرم والأبلق فضلا عن سراي العدل" وعدة مساجد هي مسجد محمد علي ومسجد ومدرسة الناصر قلاوون وسارية الجبل وجامع العزب فضلا عن "بئر يوسف" ودار ضرب العملة التي أقيمت عام 1827 .
وفيما أقيم "محكى القلعة" منذ نحو عقد واحد في رحاب قلعة صلاح الدين فان هذا المسرح كتب له ان يكون علامة لمهرجان بات من أبرز المهرجانات الفنية في مصر والعالم العربي بينما يتدفق عشرات الآلاف من المصريين على مهرجان قلعة صلاح الدين في دورته الحالية التي يكاد يكون لسان حال الزائرين يتمنى لو استمرت اكثر من أسبوعين.
وعلى امتداد فعاليات الدورة الثامنة والعشرين لمهرجان قلعة صلاح الدين الدولي للموسيقى والغناء وهي الفعاليات التي تنظمها دار الأوبرا المصرية ويأتي مسك ختامها غدا مع الموسيقار عمر خيرت تفاعلت الجماهير الغفيرة مع كوكبة من المبدعين المصريين والعرب ككل في عالم الطرب والغناء والموسيقى كهاني شاكر وعلي الحجار ومدحت صالح ومحمد الحلو وهشام عباس ومحمد محسن ومحمد عدوية وعمرو سليم ومجد القاسم وهشام خرما وياسر سليمان والشيخ ياسين التهامي و"سعيد الآرتيست" وفرقة "على مر الأجيال".
كما التقى الجمهور الكبير مبدعات مصريات وعربيات في الطرب والغناء والموسيقى كمي فاروق ومروة ناجي ودينا الوديدي وسما سليمان ومنى بوركهارد وغالية بن علي وصولا أمس "الجمعة" لعازفة "الماريمبا" نسمة عبد العزيز وفرقتها والمغنية اللبنانية تانيا قسيس فضلا عن فرقة "النور والأمل".
ووسط توافد لافت للعائلات على "مسرح المحكى" في قلعة صلاح الدين كانت وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم قد اعتبرت الحضور الجماهيري الكبير في هذا المهرجان الجامع بين التراث المصري والموسيقى والغناء والاستعراضات وفنون الشعوب حول العالم ثمرة لتنفيذ استراتيجية العدالة الثقافية للوصول بالمنتج الفني والفكري لكل المصريين.
والى جانب "فرقة رضا للفنون الشعبية" وفرقة سوهاج التي تشارك باستعراضاتها الشعبية في فعاليات اليوم الختامي للمهرجان الذي افتتح في الثامن عشر من شهر أغسطس الحالي يتجلى الحضور الإبداعي لفرق للايقاعات والفنون الشعبية من دول شقيقة وصديقة كالجزائر وغينيا وناميبيا والصين والهند وفنزويلا.
وعلى مدى أسبوعين لهذا المهرجان الذي يصل مجموع فعالياته إلى 42 حفلا فان الدورة الحالية التي توشك على نهايتها تبرهن بالفعل على الدور الكبير للفن في تطوير الوعي والارتقاء بالوجدان بقدر ما يثبت الاقبال الكبير للجماهير مدى ترحيبها بالفن الراقي والأصيل والجميل.
وجاءت الدورة الثامنة والعشرون للمهرجان لتؤكد مجددا أن "الأوبرا المصرية" قادرة على تقديم الكثير للحياة الثقافية والفنية في مصر ووضع الفن في خدمة الجماهير وصياغة ذائقة وجدانية راقية للمجتمع ككل مع تقديم الوان رفيعة المستوى لثقافة البهجة.
وكان رئيس دار الأوبرا المصرية الدكتور مجدي صابر قد نوه في تصريحات صحفية بأن الموسم الفني الجديد للأوبرا الذي يبدأ في شهر سبتمبر المقبل حافل بالمفاجآت لعشاق فنون الأوبرا وكشف عن تقديم "أوبرا عايدة برؤية جديدة" وكذلك عرض "كليوباترا برؤية مصرية خالصة" الى جانب عروض عالمية تشارك فيها فرق شهيرة "كالبولشوي الروسية".
وبقدر ما تعبر دار الأوبرا المصرية كصرح ثقافي-فني عن معاني وتجليات القوة الناعمة ودعم وشائج التواصل مع الدول الشقيقة والصديقة فانها تقدم في فعاليات كمهرجان القلعة اجابات هامة على اسئلة تتعلق بالفن والمجتمع.
وفيما ترى وزيرة الثقافة الدكتورة ايناس عبد الدايم الأوبرا كمنارة ثقافية يلتف حولها كل المصريين فان ليالي مهرجان قلعة صلاح الدين تتسق مع توجه بدا واضحا في السنوات الأخيرة نحو "كسر الطابع النخبوي الضيق للأوبرا " والاتجاه نحو تقديم روائع الموسيقى والغناء للشعب المصري بكل أطيافه وشرائحه ناهيك عن الضيوف الأجانب والارتقاء بالذوق العام للمجتمع ودحر ثقافة القبح والتلوث السمعي-البصري.
ولئن قالت إيناس عبد الدايم التي شغلت من قبل منصب رئيس دار الأوبرا ان الثقافة والفنون يتعدى دورهما مجرد الترفيه للمساهمة في بناء الإنسان المصري فواقع الحال ان الدورة الثامنة والعشرين لمهرجان صلاح الدين توميء بوضوح لهذا الدور وتبشر بنجاحه مع الإقبال الجماهيري الكبير.
وإذ تختتم فعاليات الدورة الثامنة والعشرين لمهرجان قلعة صلاح الدين بمختارات يعزفها الموسيقار عمر خيرت من اهم مؤلفاته على مدى مسيرته الفنية الثرية فان هذا الموسيقار الذي حفر اسمه اسمه "كأيقونة ثقافية فنية مصرية" فيما يشكل الاقبال الجماهيري الكبير على حفلاته في دار الأوبرا ظاهرة ثقافية جديرة بالتأمل .
وعمر خيرت الذي ولد في الثاني عشر من نوفمبر عام 1947 بالقاهرة يعد من اشهر الموسيقيين المصريين في الوقت الحالي وهو مؤلف موسيقي وموزع وعازف بيانو بل انه يوصف بأنه "ملك البيانو" بينما يصف هو ذاته البيانو "بصديقه الأثير وأم الآلات الموسيقية".
ويمكن القول ان عمر خيرت يشكل "نقلة نوعية في تطوير الشخصية الموسيقية المصرية الخالصة" التي كان عمه الموسيقار ابو بكر خيرت احد من وضعوا ملامحها التأسيسية في العصر الحديث فيما يلفت عمر خيرت الى انه اذا كان القاريء في الأدب بمقدوره ان يتعرف على الكاتب من اسلوبه وهو ماينطبق كذلك على الفنون التشكيلية فلابد ايضا ان يكون للمؤلف الموسيقي شخصيته الموسيقية ومفرداته المميزة.
ورغم شهرته التي طبقت الآفاق يؤكد عمر خيرت انه يشعر بحالة من القلق البالغ قبيل أي حفل يواجه فيه الجمهور حتى انه يصف الأمر "بالامتحان الصعب" موضحا انه "يحب جمهوره ويخشاه في الوقت ذاته" وهو صاحب الفضل الأول عليه.
وعمر خيرت كفنان صاحب رؤية ثقافية وطنية يؤكد دوما أن مصر هي "منارة الدنيا وصاحبة الجذور التاريخية العريقة" وهاهي جماهيره الكبيرة تنتظره غدا في قلعة صلاح الدين لمنح بابداعه صيف القاهرة هذا العام المزيد من وعود الجمال وليالي الشرق الفاتن والحلم الجميل ويصنع من المدى مدى ساحرا في قصة نجاح مصرية بقلعة تنبض بتاريخ أرض الكنانة وحاضر شعب عظيم.