• قمة نيامي
    قمة نيامي


تقرير: طارق عبد الغفار
تشكل القمة الافريقية الاستثنائية الـ 33 التى تستضيفها عاصمة النيجر نيامي يومى السابع والثامن من شهر يوليو الجارى نقطة تحول فى مسار التعاون الاقتصادى لدول القارة السمراء، حيث ستؤسس لمرحلة جديدة من التكامل التجاري الافريقي بالتزامن مع الاعلان الرسمى لسريان اتفاقية التجارة الحرة القارية التى تضم 24 دولة من بينها مصر .
وسيعد اطلاق اتفاقية التجارة الحرة القارية – التى اقرتها برلمانات 24 دولة افريقية من اجمالى 52 دولة موقعة عليها ودخلت حيز التنفيذ فى الثلاثين من مايو الماضى - حدثا تاريخيا بالقارة الافريقية تحت رئاسة مصر، حيث ستعتبر الأكبر على المستوى العالمى منذ تأسيس منظمة التجارة العالمية عام 1995 ، ويبلغ عدد مستهلكيها 2ر1 مليار شخص، وناتجها المحلى الاجمالى حوالي 4ر3 تريليون دولار، أي 3 فى المائة من الناتج الإجمالي العالمي.
وسوف تسهم منطقة التجارة الحرة القارية فى زيادة حجم التجارة البينية الافريقية من 17 فى المائة الى 60 فى المائة بحلول عام 2022 ، وتقليص السلع المستوردة بشكل رئيسى وبناء القدرات التصنيعية والانتاجية وتعزيز مشروعات البنية التحتية بالقارة الافريقية .
وتهدف منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية الى تحقيق عدد من الاهداف يتمثل ابرزها في أولا:خلق سوق قارى موحد للسلع والخدمات وتسهيل حركة المستثمرين ورجال الأعمال بما يمهد الطريق لانشاء اتحاد جمركى موحد بالقارة السمراء، وثانيا : تعزيز وتوسيع التجارة البينية الافريقية من خلال توحيد وتنسيق عمليات تحرير التجارة وأنظمة وأدوات التسهيلات التجارية عبر القارة الافريقية، وثالثا : ازالة القيود التى تواجه عملية التكامل التجارى على المستويين الاقليمى والقارى.ورابعا : تدعيم المنافسة فى مجال الصناعة والاعمال واستغلال الفرص المتاحة بالدول الاعضاء لزيادة الانتاج والوصول للاسواق القارية واعادة تعبئة الموارد بالقارة الافريقية و توفير المزيد من فرص العمل وخاصة للشباب .
وستوفر المنطقة اطارا مواتيا لتقليص تكاليف انشاء المشروعات داخل القارة ومواجهة التحديات التى تجابه التكامل التجارى مثل نقص مشروعات البنية التحتية وعدم كفاءة انظمة الاتصالات .
فى السياق ذاته ، سيطلق زعماء الدول المشاركون فى " قمة نيامي" ما يسمى الأدوات التشغيلية لاتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية ومن بينها قواعد المنشأ ، والتسهيلات الجمركية وآلية رصد والغاء الحواجز غير الجمركية ، ونظام التسوية والدفع الرقمى ، ومرصد التجارة الافريقى .
من جانبها ، أعلنت الرئاسة النيجيرية يوم الثلاثاء الماضى أنها ستوقع على اتفاقية التجارة الحرة القارية الافريقية خلال اجتماعات قمة نيامى .
وفى مؤشر قوى على دعم مصر لجهود التكامل التجارى بين الدول الافريقية ، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى – فى كلمته خلال قمة مجموعة العشرين التى عقدت بمدينة أوساكا اليابانية نهاية يونيو الماضى- أن دخول الاتفاقية الأفريقية القارية للتجارة الحرة حيز النفاذ في 30 مايو 2019 ينمى من فرص التجارة البينية، ويوسع السوق المتاحة أمام الاستثمار في قارتنا، ويعزز قدراتنا التصنيعية، ويوفر فرص عمل خاصة للشباب، ويزيد من مساهمتنا في سلاسل القيمة العالمية.
وقال الرئيس السيسي إن خطط تحقيق التكامل الإقليمي عبر تطوير البنية التحتية الأفريقية، وتنفيذ المشروعات العابرة للحدود، ومشروعات الطاقة، لاسيما الطاقة المتجددة، إنما تأتي على رأس أولوياتنا، وتتسق مع خيارنا الاستراتيجي في السير نحو الاندماج القاري.
كما تجسد المشاركة المصرية رفيعة المستوى فى الفعاليات الافريقية الكبرى ومن بينها "قمة نيامى" أولوية البعد الأفريقي في السياسية الخارجية المصرية وحرصها على الانفتاح والتواصل مع جميع الدول الأفريقية لتعزيز آليات التكامل الاقتصادي بين دول القارة فى ضوء الظروف الدقيقة التي تمر بها القارة والتى تتطلب تنسيق وتضافر الجهود لمواجهة التحديات المشتركة، وعلى رأسها الإرهاب والفقر والعوائق التجارية.
وساهمت مصر بفاعلية فى تعزيز العمل المشترك والاندماج التجارى بين دول القارة الافريقية عقب ثورة 30 يونيو 2013، حيث احتضنت شرم الشيخ فى منتصف يونيو 2015 مراسم التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة للتكتلات الاقتصادية الثلاثة: الكوميسا، والسادك، والمجموعة الاقتصادية لدول شرق أفريقيا / إياك/ التى أطلقت أكبر تكتل تجارى فى أفريقيا ليكون بمثابة اللبنة الأساسية لتحقيق آمال الشعوب الأفريقية فى إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية.
وتعتبر منطقة التجارة الكبرى التى أطلقتها التكتلات الافريقية الثلاثة الأكبر على مستوى القارة الافريقية، حيث تضم 26 دولة من بينها مصر ويمثل الناتج المحلى الاجمالى لها حوالى 60 فى المائة من اجمالى الناتج المحلى للقارة الافريقية / حوالى 2ر1 تريليون دولار / وتضم أكثر من 56 فى المائة من سكان القارة .
ونشأت فكرة انشاء منطقة التجارة الحرة لتكتلات (الكوميسا وسادك وإياك) عام 2008 لمواجهة التحديات التجارية الناجمة عن التكتلات الاقتصادية الكبرى وتعزيز التبادل التجارى على المستوى الاقليمى وحل المشكلات الناجمة عن تعدد عضويات الدول الأفريقية فى التجمعات الاقتصادية المختلفة وهو ما يؤدى الى تضارب المصالح بين تلك الدول .
وفي السياق ذاته ، أكدت رؤية مصر تجاه قضية التنمية الشاملة فى القارة الافريقية أهمية تنمية القدرات البشرية فى العمل المشترك وإيلاء الاهتمام الكافى بالشباب الأفريقى الذى يشكل ركيزة مستقبل القارة ، وتعزيز الاستثمار فيه بزيادة الاهتمام بالتعليم وتطويره على نحو يتيح للشباب اكتساب المهارات اللازمة للانخراط بكفاءة فى سوق العمل – ولاسيما أن أكثر من 60 فى المائة من سكان القارة الافريقية من الشباب - ورفع معدلات الإنتاجية والنمو ، التركيز على التحول إلى مجتمعات المعرفة بتطوير مجالات البحث والابتكار.
ورغم الأزمات المتلاحقة التى عصفت بالاقتصاد العالمى خلال السنوات الماضية ، تضمنت قائمة الدول ذات الاقتصاديات الأسرع نموا فى الفترة الأخيرة عشر دول أفريقية على الأقل، كما ارتفع حجم الاستثمار الأجنبى المباشر فى الدول الأفريقية بأكثر من خمسة أضعاف خلال الأعوام العشرة الأخيرة وهى كلها مؤشرات تؤكد غنى أفريقيا بالموارد البشرية والطبيعية اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة.
وحرصت مصر على زيادة استثماراتها في أفريقيا، وارتفعت تلك الاستثمارات خلال عام ٢٠١٨ بمقدار 2ر1 مليار دولار ليصل إجماليها إلى 2ر10 مليار دولار ، وتغطي مجالات البنية التحتية والتصنيع والزراعة والخدمات، والتشييد والطاقة والتعدين والخدمات المالية واللوجستيات والكهرباء والاتصالات والصناعة ، بينما بلغ حجم الاستثمارات الأفريقية في مصر حوالى 8ر2 مليار دولار.
كما شهدت صادرات مصر للقارة السمراء ارتفاعات متتالية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وتشير البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، الى ارتفاع إجمالي التبادل التجاري بين مصر ودول أفريقيا إلى 2ر4 مليار دولار خلال الثمانية أشهر الأولى من عام 2018، مقابل 4ر3 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 2017، بزيادة بلغت قيمتها 4ر777 مليون دولار، وبلغت قيمة الصادرات المصرية 8ر2 مليار دولار خلال الفترة بين شهري يناير وأغسطس من عام 2018، فيما بلغت قيمة الواردات المصرية من الدول الأفريقية 3ر1 مليار دولار خلال الفترة ذاتها.
وتصدرت كينيا قائمة الدول الأفريقية من حيث حجم التبادل التجاري مع مصر بقيمة 418 مليون دولار، من بينها صادرات مصرية بقيمة 224.4 مليون دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2018 مقابل 191.9 مليون دولار خلال الفترة المناظرة من عام 2017، بزيادة قدرها 32.5 مليار دولار.
وجاءت جنوب أفريقيا فى المرتبة الثانية ،وبلغ حجم التبادل التجاري بينها وبين مصر 195.2 مليار دولار، وبلغت الصادرات المصرية إليها 63.4 مليون دولار خلال الاشهر الثمانية الاولى من عام 2018.
كما أشارت الاحصائيات الرسمية إلى أن قيمة التبادل التجاري بين مصر ودول حوض النيل زادت بنسبة 17.5 فى المائة خلال الفترة من يناير- أكتوبر 2018 لتبلغ 38ر1 مليار دولار مقابل 13ر1 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2017 .
واستحوذت دول تجمع الكوميسا /التى تضم مصر وبوروندى وكينيا وموريشيوس والصومال وزيمبابوى وجزر القمر واريتريا وليبيا ورواندا وجيبوتى وإثيوبيا ومدغشقر وسيشيل والكونغو الديموقراطية وإي سواتيتى ( سوازيلاند سابقا)- ومالاوى والسودان وزامبيا وتونس وأوغندا / على 47 فى المائة من إجمالي حجم التجارة بين مصر وأفريقيا، حيث ارتفعت قيمة التبادل التجاري معها بنسبة 5ر18 فى المائة خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2018 ليسجل 2.282 مليار دولار مقابل 1.859 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2017 .
كما ارتفعت قيمة التبادل التجاري بين مصر ودول تجمع السادك - التى تضم 16 دولة هى أنجولا وبوتسوانا وجزر القمر والكونغو الديموقراطية وبوتسوانا وليسوتو وإي سواتيتى ومدغشقر ومالاوى وموريتانيا وموزمبيق وناميبيا وجزر سيشيل وجنوب افريقيا وتنزانيا وزامبيا وزيمبابوى- لتبلغ 729 مليون دولار خلال الفترة من يناير- أكتوبر 2018 بنمو قدره 9.2 فى المائة .
وفي إطار جهودها لدعم التكامل التجارى الأفريقي ، تبنت مصر خلال "منتدى افريقيا 2018 " الذى عقد بمدينة شرم الشيخ فى ديسمبر الماضى العديد من التوصيات لتعزيز الاستثمارات المصرية بافريقيا تضمنت إنشاء صندوق ضمان مخاطر الاستثمار في أفريقيا، وذلك لتشجيع المستثمرين المصريين على توجيه استثماراتهم لأفريقيا، والمشاركة في تنمية القارة ،والتفاوض مع المؤسسات الدولية لدعم البنية الأساسية في قارة أفريقيا وتحفيز وتيسير عمل الشركات الأفريقية في مصر لتعزيز الاستثمارات المشتركة والاستفادة من التطور المستمر في الاقتصاد المصري ،وزيادة التعاون الفني مع دول القارة في مجالات الاستثمار في رأس المال البشري، والتحول الرقمي، وإدارة التمويلات الدولية، والحوكمة ونظم المتابعة والتقييم ، وإنشاء صندوق للاستثمار في البنية التحتية المعلوماتية، بهدف دعم التطور التكنولوجي والتحول الرقمي في القارة، وذلك لبناء اقتصاديات حديثة قائمة على أحدث النظم التكنولوجية.
وفى مجال الاتصالات، أكدت مصر حرصها على تعزيز التعاون في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مع الدول الافريقية بالتزامن مع توليها رئاسة الاتحاد الافريقي، وتنفيذ مبادرة “أفريقيا لإبداع التطبيقات والألعاب الرقمية” التي أطلقها الرئيس السيسى في نوفمبر الماضي بهدف تأهيل الشباب المصري والإفريقي في مجالات تطبيقات الألعاب التكنولوجية وبرمجة التطبيقات الرقمية المختلفة من خلال تدريب وتأهيل 10 آلاف شاب مصري وأفريقي على استخدام وتوظيف التكنولوجيا الحديثة، وإنشاء 100 شركة ناشئة في هذه المجالات.
وتؤكد المؤشرات أن "قمة نيامي" سوف تؤسس لمرحلة جديدة من التنمية المستدامة والتكامل التجارى بأفريقيا فى ضوء رئاسة مصر للاتحاد الافريقى ومساهماتها الفعالة فى بناء وتعزيز القدرات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية ودعم آليات تسوية المنازعات سلميا بالقارة الافريقية .