• كورونا
    كورونا


تقرير: أحمد تركي
في واحدة من الأزمات التي لا تقل في خطورتها وتداعياتها الاقتصادية عن أزمة الرهن العقارى التى هددت من قبل الإقتصاد العالمى ، جاء تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) بصورة وبائية في أنحاء العالم محدثا حالة من الركود القريب من الشلل الاقتصادي التام بعد غلق الحدود بين الدول وتوقف حركة الطيران العالمي، واحتباس وتقوقع كل دولة في ذاتها تحاشياً وتجنباً لزيادة عدد المصابين بالفيروس .
وثمة تخوفات كبيرة تسود الأوساط الاقتصادية العالمية من ركود اقتصادي قد يضرب العالم خلال الفترة المقبلة.
وقد حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم 36 دولة، من التداعيات الكبيرة لتفشي الفيروس على النمو الاقتصادي العالمي هذا العام وخفضت توقعاتها لإجمالي الناتج الداخلي العالمي بنصف نقطة مئوية إلى 2,4 بالمئة، وهو أدنى مستوى له منذ أزمة 2008-2009 المالية.
وافترضت المنظمة الدولية، في توقعاتها بأن يتراجع مستوى تفشي الفيروس هذا العام، إلا أنها حذرت من أن تزايد انتشاره "سيضعف التوقعات بشكل كبير"، إذ يواجه الاقتصاد العالمي في الأساس خطر حدوث انكماش في الربع الأول من العام، بحسب المنظمة التي تضم مجموعة من الدول التي تتبنى مبادئ السوق الحرة.
وأفادت المنظمة في أول دراسة شاملة لتداعيات الفيروس على كبرى اقتصادات العالم أنها تتوقع بأن يصل النمو السنوي في إجمالي الناتج الداخلي في الصين، بؤرة تفشي المرض منذ ديسمبر، إلى 4,9 بالمئة في انخفاض بـ0,8 نقطة عن توقعات النمو الأساسية التي أعلنتها المنظمة في نوفمبر.
(أونكتاد) تتوقع الركود
وفي ذات السياق ، توقع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمیة (أونكتاد)، إصابة الاقتصادات العالمية بالركود، وبنسبة تصل إلى أقل من 2.5% وانخفاض النمو السنوي العالمي خلال العام الجاري 2020، وفي أسوأ السیناریوھات قد یشھد العالم عجزا في الدخل العالمي بقیمة تریلیوني دولار.
ودعت دراسة (أونكتاد)، إلى وضع سیاسات منسقة لتجنب الانھیار في الاقتصاد العالمي، مشیرة إلى أن تباطؤ الاقتصاد العالمي إلى أقل من 2% لھذا العام قد یكلف نحو تریلیون دولار خلافا لما كان متوقعا في شھر سبتمبر الماضي "أي أن العالم على عتبة ركود في الاقتصاد العالمي".
وأشارت الدراسة الى أن فقدان ثقة المستھلك والمستثمر ھي أكثر النتائج المباشرة لانتشار العدوى إلا انھا أكدت، أن مزیجا من انخفاض أسعار الأصول وضعف الطلب الكلي وتزاید أزمة الدیون وتفاقم توزیع الدخل كل ذلك یمكن أن یؤدي إلى دوامة من التراجع تجعل من الوضع أكثر سوءا.
وتوقعت دراسة (أونكتاد)، أن تكون الدول المصدرة للنفط وغیرھا من الدول المصدرة للسلع، من الدول المتضررة بخسارة أكثر من 1%، كما توقعت ان تشھد دول الاتحاد الأوروبي وشرق وجنوب شرقي آسیا وكندا والمكسیك وأمريكا الوسطى تباطؤا في النمو بین 0.7 و0.9%.
وقد صنفت منظمة الصحة العالمية تفشي فيروس كورونا بوصفه وباءً عالميا "جائحة" وقال مدير منظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم جيبريسوس، إن المنظمة ستستخدم هذا المصطلح لسببين رئيسين هما: سرعة تفشي العدوى واتساع نطاقها والقلق الشديد إزاء "قصور النهج الذي تتبعه بعض الدول على مستوى الإرادة السياسية اللازمة للسيطرة على هذا التفشي" للفيروس.
وأكد مدير منظمة الصحة العالمية أن أوروبا أصبحت الآن بؤرة وباء فيروس كورونا العالمي، داعياً الدول إلى اتخاذ إجراءات صارمة للحد من التجمعات والتجمهر من أجل إنقاذ الأرواح.
وجاءت تصريحات جيبريسوس بعد إعلان العديد من الدول الأوروبية ارتفاعا حادا في عدد الإصابات الجديدة بفيروس كورونا وفي عدد الوفيات، وأصبحت إسبانيا الأكثر تضررا بعد إيطاليا، بعد أن أعلنت ارتفاعا بنسبة 50 في المئة في الوفيات ليصل العدد الإجمالي إلى 120، وعدد الإصابات إلى 4200.
فقد أعلنت إيطاليا، وهي أكثر الدول الأوروبية تضررا، أكثر من 15100 إصابة وألف وفاة، وسجلت فرنسا 2860 حالة وفي ألمانيا سجلت 2369 إصابة، وبلغ عدد الإصابات في بريطانيا 798.

تأثيرات سلبية على مراحل
يرى خبراء في الشأن الاقتصادي، أن التوقعات المستقبلية بشأن الاقتصاد العالمي تتفاقم للأسوأ - مع احتمال ليس فقط لتباطؤ ولكن لدخول العديد من الدول في حالة من الركود الاقتصادي - في وقت يشهد بالفعل ديناميكيات النمو الاقتصادي الهش، ومع وجود استثناء واحد، فإن كل مكون - الاستهلاك والاستثمار والتجارة - من معادلة نمو الناتج المحلي الإجمالي يتعرض إلى ضغوط بطريقة مضاعفة.
وعندما يتعلق الأمر بالتأثيرات التي قد يتركها فيروس كورونا على الأداء الاقتصادي وربحية الشركات، فإن التأثير يكون وفقاً لخبراء ومحللين من خلال أربعة مراحل.
ويرى هؤلاء المحللون أن ما يحدث في الوقت الحالي هو أول مرحلتين من تأثيرات الكورونا كما أنهما يسببان القلق بصورة مشروعة للجميع بدايةً من الأسر والشركات والأسواق المالية وحتى الحكومات والبنوك المركزية، ولا تتداخل هاتان المرحلتان معاً فقط لكنهما يتغذيان على بعضها البعض بطريقة مزعجة، لأنها تؤدي إلى تعطيل كل من قطاعي الصناعة والخدمات.
وبالنسبة للمرحلة الثالثة، فإنها تنطوي على الوصول إلى الحد الأدنى للسوق وبعد ذلك الحد الأدنى للنمو الاقتصادي الذي يوفر الأساس للتعافي المستدام وإن كان بعيداً عن التعافي الكامل.
أما المرحلة الأخيرة من المحتمل أن تكون طويلة الآجل ويمكن أن تحتوي على عناصر لتقليص العولمة؛ بسبب إتباع نهج أقل انفتاحاً في السفر والهجرة.
ولا شك أن الانتشار الواسع للفيروس، أثار من جديد مخاطر العولمة من ارتفاع وتيرة الحركة بين مختلف أركان الكرة الأرضية بسرعة وسهولة، والتي تتعلق بتنامي حجم العلاقات التجارية والاقتصادية بين مختلف مناطق ودول العالم.
وكشفت الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الكثير من دول العالم، عن هلامية فكرة العولمة وأدت لتوقف عجلتها عن الدوران، في ضوء إغلاق الحدود، ووضع القيود على حركة الأشخاص، فيما اعتبره بعض المحللين عرضاً أولياً أو "بروفة" لما قد يواجه العالم مستقبلًا إذا ما ساد التيار المناهض للعولمة، الصاعد بقوة في عدد من الدول، ولا سيما على الساحة الأمريكية بشكل خاص.
ومع تبادل المحاورات والمسئولية بين الصين وأمريكا حول فيروس كورونا وتداعياته، ووفقاً لقواعد العولمة، فإن الصين تعتمد على استيراد مكونات معينة من الولايات المتحدة، خاصة في مجال منتجاتها التكنولوجية، لكن مع تلويح واشنطن المتكرر بمنع تصدير هذه المكونات إلى بكين، باتت فكرة العولمة محل تساؤلات واختبار حقيقي تهدد وجودها بالأساس.