• عام الفأر
    عام الفأر


تقرير.. محمد دبور

بدأ الصينيون اليوم الاحتفال بأول أيام عيد الربيع أو رأس السنة الصينية التي يستخدمون فيها التقويم القمري، ولكن احتفالات هذا العام تشوبها حالة من القلق والحذر الشديدين بسبب انتشار الالتهاب الرئوي الحاد المرتبط بفيروس كورونا الجديد الذي تسبب في مئات الإصابات وأكثر من 40 حالة وفاة حتى الآن وسط توقعات بتجاوز عدد الإصابات الآلاف.
وبالرغم من أن عطلة عيد رأس السنة الصينية هي الأهم والأطول من حيث عدد الأيام بالنسبة للصينيين، لاسيما وأنها الفرصة السنوية الوحيدة للم شمل الأسرة في مكان واحد بعد عام من الانشغال في العمل والدراسة في أماكن مختلفة، إلا أن انتشار فيروس كورونا الجديد وخطورته وتأكد انتقاله من إنسان لآخر، دفع السلطات الصينية لاتخاذ إجراءات احترازية مشددة من بينها إلغاء الأنشطة واسعة النطاق ذات التجمعات الكبيرة، بما في ذلك معارض المعابد والرياضيات الشتوية وغيرها في محاولة لمنع ومكافحة الفيروس، مع إلغاء حركة النقل العام والسكك الحديدية والطيران في مدينة "ووهان" -مركز انتشار الفيروس- وعدد من المدن المحيطة وسط البلاد بإجمالي عدد سكان يتجاوز 30 مليونا.
وستقتصر احتفالات الصينيين هذا العام على العادات التقليدية دون الخروج إلى المتنزهات والحدائق وأماكن التجمعات ومناطق الجذب السياحي، حيث وفقا للتقاليد الصينية، يتم في صباح اليوم الأول للعيد تهنئة أكبر فرد في الأسرة بعد استيقاظه من النوم والدعوة له بالعمر المديد وموفور الصحة والعافية وكامل التوفيق، فيما يقوم كبير الأسرة بإعطاء "عيدية السنة الجديدة" للصغار، وبعد ذلك يتبادل الجيران التهاني وتحية كبار السن والإطمئنان عليهم والدعوة لهم بالحظ السعيد.
وفي اليوم الثاني (السادس والعشرين من يناير) من الشهر الأول، يقوم الناس بإحضار الهدايا وزيارة الأقارب والأصدقاء، كما يجب على الابنة المتزوجة أخذ زوجها وأطفالها وإحضار الهدايا إلى منزل والديها، كما يتم تهنئة العمات والأجداد، بالإضافة إلى حسن معاملة والدي الزوج، والدعاء للزوج بأن يكون صالحا مع ابنتهم.
ويطلق الصينيون على السنة الصينية الجديدة عيد الربيع رغم حدوثه في فصل الشتاء، ذلك لأنه يمثل نهاية أبرد جزء من فصل الشتاء، وبداية الربيع. كما ينقسم التقويم الصيني إلى دورات قمرية مدتها 60 عاما، وتنقسم كل دورة إلى خمس دورات أصغر، مدة كل منها 12 عاما، كل عام يمثله حيوان في الأبراج الصينية: الفأر، الثور، النمر، الأرنب، التنين، الأفعى، الحصان، العنزة أو الخروف، القرد، الديك، الكلب والخنزير.
ويمثل السنة الصينية الجديدة 2020 الفأر في الأبراج الصينية، وهو بداية دورة جديدة من التقويم القمري الصيني، ويشمل السنوات، 1912 ،1924 ،1936، 1948، 1960، 1972، 1984، 1996، 2008، 2020، 2032 … وللصينيين مشاعر مختلفة حول هذا البرج. لكن، يرمز برج الفأر بصفة عامة إلى معنى جميل متمثل في الذكاء والثروة والعديد من الأطفال والأحفاد، أي أنها سنة مثمرة.
وعلى مدى آلاف السنين، ظهرت صورة الفأر باستمرار بين الناس، ويمكن رؤيتها بين لوحات من الأباطرة والفنانين المشهورين، وكذلك على طوابع البريد في البلدان الأخرى.
وتباين السبب في وجود الفأر على رأس الدورة القمرية للتقويم الصيني رغم أنه أصغر حيوان في تلك المجموعة، حيث أسس القدماء الصينيون نظاما على أساس ملاحظات حركة كوكب المشتري الذي تمتد دورته لـ12 عاما، وأطلقوا الأسماء المختلفة على الفروع الأرضية واستخدموها لمعرفة الأعوام والشهور والتاريخ وتوقيتات اليوم، فيما كانوا يسمون كوكب المشتري باسم "نجم العام" في العهد القديم.
وتم ترتيب الأبراج الصينية بحسب عادات الحيوانات التي ترمز إليها ووقت نشاط كل حيوان خلال اليوم، فعلى سبيل المثال، من المعتاد أن تخرج الفئران في منتصف الليل، في الفترة ما بين الساعة الـ11 مساء والواحدة بعد منتصف الليل، لذلك جاء ترتيب الفأر في مقدمة الفروع الأرضية الـ12.
ويأتي الثور في المرتبة الثانية لأنه ينشط بعد الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، والنمر بعده في الترتيب لأنه يستيقظ ويتجول ما بين الساعة الثالثة والخامسة صباحا، لذا تم اتباع هذه الطريقة لترتيب الحيوانات التي ترمز إلى الأبراج الصينية الـ12.
وهناك تفسير آخر يرتبط بالقصص الشعبية والأسطورية الصينية، حيث دعا الإمبراطور الصيني المعروف باسم "الإله الأصفر" (هوانغ دي)، والذي كان بمثابة الإله والأب للقدماء الصينيين، جميع الحيوانات إلى التسجيل عنده لتحديد ترتيب الأبراج الـ12 في بداية تأسيس الدولة وفقا لأولوية الوصول، فنهضت جميع الحيوانات في الصباح الباكر واستعجلت إلى المقصد إلا الفأر، لأن الفأر وجد طريق مختصر بالاختباء على ظهر الثور، فما أن أصدر الإمبراطور الأمر، حتى قفز الفأر ووقف على رأس الثور للحصول على المرتبة الأولى.
وفي بعض الروايات الأخرى، قيل أيضا إن الفأر نسى أن يوقظ القطة، الأمر الذي أدى إلى ضياع فرصة القطة لإدراج نفسها لتكون إحدى رموز الأبراج الصينية، ومنذ ذلك الحين، انتهت الصداقة بين الفأر والقطة وصاروا أعداء إلى الأبد.
وبغض النظر عن أسباب تمكن الفأر من الوصول إلى صدارة قائمة الأبراج الصينية، فإن تواجده كجزء من المجموعة الـ12، قد غير مصيره كحيوان صغير وزاد ووسع من الدلالات الثقافية التي يحملها في الثقافة الصينية.
وأصبح برج الفأر يرمز إلى صفات مثل الذكاء والمرونة والقوة، ويعتقد في الصين أن مواليد عام الفأر يتمتعون بهذه الصفات أيضا، لذلك، في بعض روايات الكونغ فو الصينية، كانت الفئران تشكل دائما شخصيات بارزة تتسم بروح الفروسية والشهامة. وهناك أيضا العديد من القصائد والأمثال والحكايات الخيالية التي كان الفأر جزءا منها، كما صور الفنانون الصينيين الفأر في لوحاتهم وتماثيلهم.
واعتقد القدماء الصينيون أن الفئران تمتلك روحانية غير عادية، تمثل إرادة السماء والأشباح والآلهة، وهي الإله الغامض والذكي الذي يمشي في السماء والأرض.
ويولي الصينيون احتراما كبيرا للفأر، حيث يعتبرونه أكثر إثارة للدهشة في الإنذار المبكر من كارثة الألغام، ووقوع حوادث في المناجم، وبالتالي فإن عمال المناجم يحترمون الفأر باعتباره إله المنجم. كما أن للفأر حاسة شم وسمع قويتين، وهو أكثر حساسية للكوارث الوشيكة، وفي حالة الخطر، يندفع للفرار. لذلك، أصبحت الفئران التي عاشت مع عمال المناجم ليلا ونهارا في باطن الأرض الحامي في قلوبهم.
وما زاد من تقدير الصينيين للفأر هو اكتشاف العلماء تشارك الفئران والبشر في 80٪ من المواد الوراثية و99٪ من الجينات، ما ساعد في الكشف عن الكثير من المعلومات حول الأمراض والوظائف الفسيولوجية للبشرية من خلال إجراء الأبحاث العلمية على الفئران.
وعلى الرغم من الظروف التي تواكب احتفالات الصينيين بأهم عيد لديهم، إلا أنهم يتبادلون بابتسامات عريضة التهاني والأماني بحياة مزدهرة أكثر خلال العام الجديد.