• الجزائر
    الجزائر
  • الجزائر 1
    الجزائر 1


القاهرة .. تحليل كتبه : أحمد تركي (مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط)

تكتسب الانتخابات الرئاسية المقررة في الجزائر غداً /الخميس/ أهمية محورية باعتبارها نهاية لحالة عدم الاستقرار السياسي التي عاشتها البلاد بسبب موجة المظاهرات الاحتجاجية السلمية، التي أدت إلى تغيرات جذرية في بنية النظام الذي أرساه الرئيس الجزائري الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة، وربما تمثل نهاية فترة وبداية مرحلة جديدة في الجزائر.
كان رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح المؤيد للانتخابات قد أكد أن إجراء الانتخابات قرار لا رجعة عنه ، متوعداً بالتصدي للمتظاهرين الذين يرفضون تنظيم الانتخابات الرئاسية، إن حاولوا منع المؤيدين لها من التصويت، بينما يتحدى ناشطون وحقوقيون هذه الانتخابات، ويتوعدون بمقاطعة تاريخية لها، خاصة في منطقة القبائل.

العملية الانتخابية

تتم عملية الانتخابات الرئاسية في الجزائر من خلال الاقتراع العام والمباشر، بمشاركة من يحق له الانتخاب، حيث يحق لنحو 24,5 مليون جزائري الإدلاء بأصواتهم، من بينهم نحو 914 ألفاً يقيمون بالخارج، وكثير من هؤلاء موجودون في فرنسا التي تضم أكبر جالية جزائرية، وقد بدأوا التصويت بالفعل يوم السبت الماضي عبر اللجان الانتخابية في مقار البعثات الدبلوماسية الجزائرية.
تجرى الانتخابات بعد التأجيل مرتين، حيث كان يفترض أن تجرى في 18 أبريل الماضي ـ لكنها تأجلت للمرة الأولى إلى الرابع من يوليو المنصرم، وفي ظل رفض المجلس الدستوري إجراء الانتخابات بمرشحين اثنين فقط، تم تأجيلها إلى 12 ديسمبر 2019.
يتنافس في هذه الانتخابات خمسة مرشحين، وهم: عز الدين ميهوبي الأمين العام بالنيابة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، وعبدالقادر بن قرينة رئيس حزب حركة البناء الوطني، وعبد المجيد تبون المرشح الحر، وعلي بن فليس رئيس حزب طلائع الحريات، وعبد العزيز بلعيد رئيس حزب جبهة المستقبل.
ووفقاً لتصنيفات المراقبين للشأن الجزائري، ينظر المراقبون إلى علي بن فليس على أنه "جزء من النظام السابق" وأنه أقرب لأحزاب المعارضة التقليدية، خاصة بعد رفضه للمرحلة الانتقالية، وقبوله دعوة الجيش للانتخابات، أما عبد المجيد تبون فهو الآخر يتذكره غالبية الجزائريين كوزير للسكن، ورئاسته للحكومة لم تدم أكثر من ثلاثة أشهر في 2017، بسبب خلافات بين المسؤولين داخل النظام السابق.
في حين يعتبر المراقبون أن عبد القادر بن قرينة، ممثلا للتيار الإسلامي في قائمة المرشحين، وكان أحد مؤسسي حركة مجتمع السلم (تيار الإخوان المسلمين) قبل أن ينشق عنها ويؤسس حركة البناء الوطني. في حين يرأس عز الدين ميهوبي حزب التجمع الوطني الديمقراطي، أحد الحزبين الرئيسيين للسلطة، إلى جانب جبهة التحرير الوطني.
أما عبد العزيز بلعيد، فهو في نظر المراقبين الأقل شهرة بين المترشحين، وقد تدرج في المنظمات الشبابية الموالية للسلطة، إلى أن أصبح رئيس حزب، وكان طيلة مسيرته من بين من اعتمد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على دعمهم في سنوات حكمه.
وقد شارك المرشحون الخمسة في أول مناظرة تليفزيونية من نوعها بالجزائر، والتي وُصفت بالمناظرة التاريخية، إلا أن إدارتها وأداء المشاركين نال انتقادات كبيرة من الجزائريين.
تمثل هذه الانتخابات مرحلة مفصلية في التاريخ الجزائري، ولكن يُعد الإقبال الكثيف عليها محل شكوك في ظل الدعوات لمقاطعة الانتخابات ، حيث تقاطع الانتخابات حركة مجتمع السلم، وكانت من القوى المشاركة في "التحالف الرئاسي" الذي دعم بوتفليقة، حتى انسحابها منه في 2012.
كما تقاطعها جبهة العدالة والتنمية ، التي يرأسها عبد الله جاب الله (إسلامي)، والحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي أسسه كريم طابو أحد المسؤولين السابقين في جبهة القوى الإشتراكية المعارضة.
ويرفض هذه الانتخابات أيضا عدد من الشخصيات السياسية، من أبرزها رئيس الحكومة السابق مولود حمروش، وهو من الشخصيات الإصلاحية في جبهة التحرير الوطني، وكان قد رفض دعوات شعبية تطالبه بالترشح، مشككا في أن تؤدي إلى حل جذري للأزمة التي تمر بها البلاد، في الوقت الذي ترى فيه الحكومة في الجزائر أن الانتخابات هي الطريق الوحيد لتكريس الحل الدستوري، أي المرور بالاقتراع بديلا عن المرحلة الانتقالية.
وإذا لم يحصل أحد المرشحين على أغلبية الأصوات، فإن الناخبين يذهبون مرة أخرى إلى الدور الثاني، وتشرف على تنظيم الانتخابات "السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات" والتي قالت الحكومة إنها مستقلة عن وزارة الداخلية، من أجل ضمان شفافية الاقتراع.
وحسب القانون الجزائري يسهر القضاة على مراقبة قوائم الناخبين التي غالبا ما تكون نقطة خلاف بين الحكومة والمعارضة، هذا بالإضافة إلى دورهم في المصادقة على محاضر فرز الأصوات، والنتائج أيضا.
فالقضاة في الجزائر ليسوا جزءا من الحراك السلمي، لكنهم أضربوا بالتزامن مع مسيرات الحراك اليومية، من أجل مطالب مهنية واجتماعية، بالإضافة إلى رفضهم سيطرة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية.
وكان كثيرون من الناشطين والمتظاهرين علقوا آمالا كبيرة على القضاة، بعد تهديدهم بعدم الإشراف على الانتخابات ، أو تبرئة ساحة عدد من الناشطين والمثقفين الذين اعتقلوا بتهمة المساس "بالأمن العام وسلطة الدولة." إلا أن الحكومة توصلت إلى اتفاق مع نقابة القضاة الوطنية مؤخرا ، وأنهوا بموجبه حركتهم الاحتجاجية، لكنهم خلفوا أيضا صدمة بين ناشطي الحراك السلمي.

تواصل أم قطيعة؟

باتت التساؤلات المطروحة في شأن المشهد السياسي الجزائري، تدور حول الانتخابات الرئاسية وهل تمثل قطيعة مع الماضي، أم تدشن بداية مرحلة سياسية جديدة تتوافق مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالجزائر؟ وثمة تياران في هذا السياق.

.. أولاً : التيار الأول يرى في الانتخابات الرئاسية تواصلاً مع المسيرة السياسية الجزائرية ، باعتبارها مفتاح حل الأزمة التي فجرتها رغبة الرئيس السابق بوتفليقة في الترشح لفترة خامسة، وأنها تكرس الحل الدستوري الذي يدعمه الجيش.
وفي هذا الصدد يقول أحمد قائد صالح رئيس أركان الجيش: "إن الانتخابات هي استكمال لتطبيق المادة 102 من الدستور، وإنها البديل لأي مبادرات أخرى يمكن أن تعرض أمن الجزائر للخطر".
ويتوقع مراقبون أن تلجأ السلطة الفعلية بعد الانتخاب إلى ممارسة القوة لفرض الاستقرار والأمن بالجزائر، على خلفية المعارضة الشرسة من طرف الحراك ضد الرئيس الجديد، ولذا سوف يلجأ الرئيس الجديد إلى حل المشكلات الاقتصادية التي تشهدها البلاد وذلك من خلال تقليص حجم النفقات العامة، وكذا الاستدانة الخارجية المصحوبة بشروط دولية قاسية، في مقدمتها رفع أشكال الدعم الحكومي عن المواد الغذائية والبنزين وغيرها من المنتجات

.. ثانياً : التيار الثاني: يرى في ما بعد الانتخابات قطيعة مع الماضي وتدشين بداية مرحلة سياسية جديدة، فحركات الاحتجاج السلمي بالجزائر يرون أن هذه الانتخابات تكريس للثورة المضادة حسب وصفهم، وعودة للنظام ورموزه على حساب المطلب الشهير للمتظاهرين وشعارهم "رحيل كل العصابة".

ويطالب ناشطو الحراك بأن تكون هناك "مرحلة انتقالية حقيقية" لا يشارك فيها أي من رموز النظام السابق ومسؤوليه، وأن أي انتخابات يجب أن تشرف عليها سلطة تنفيذية مستقلة، تنبثق عن حوار شامل مع كل قوى المجتمع.
ولذا يتوقع مراقبون أن تشهد الانتخابات مشاركة ضعيفة للناخبين، الأمر الذي يعني أن الصندوق سيفرز رئيساً ضعيفاً سياسياً، ومثلما تم إسقاط بوتفليقة في أبريل الماضي، سيتم إسقاط الرئيس الجديد الذي سيستحيل عليه استخدام القوة مع الحراك، نظراً لوجود ضغوط من دول أوروبية لا تقبل وقوع اضطرابات في الجزائر، لأن بها مصالح قد تصبح عرضة للتهديد.
ويبقى المشهد السياسي الجزائري ما بعد الانتخابات الرئاسية رهناً بالتوافق بين جميع قواه السياسية الحاكمة والمعارضة، وذلك لتدشين بداية مرحلة جديدة من الأمن والاستقرار تشترك فيها كل عناصر النظام والمعارضة وقوى المجتمع الجزائري وهذا أمر تنشده الحكمة والفطنة.