• بوليفيا
    بوليفيا


القاهرة .. تقرير.. أحمد تركي

بات المشهد السياسي للأزمة السياسية في بوليفيا مفتوحاً على كل الاحتمالات والسيناريوهات، بعد استقالة الرئيس إيفو موراليس، وخروجه من البلاد بعد أن عرضت المكسيك عليه اللجوء السياسي، ثم تعيين جانين آنييز النائبة الثانية رئيسة مؤقتة، وتشكيل حكومة مؤقتة تعهدت بإحلال الأمن، والدعوة لإجراء انتخابات جديدة.
إجراءات سياسية لم تسهم في تهدئة الأوضاع السياسية في بوليفيا التي شهدت تدهوراً متزايداً في المناطق التي يشكل السكان الأصليون الغالبية العظمى فيها، وأسفرت المواجهات العنيفة من قوات الأمن عن مقتل 5 أشخاص على الأقل، ما يرفع عدد الضحايا إلى 20 منذ بداية الأزمة.
وقعت المواجهات الأخيرة خلال الاحتجاجات الحاشدة في مناطق زراعة "الكوكا" التي تعد المعقل الشعبي للرئيس السابق الذي أدان من منفاه في العاصمة المكسيكية ما وصفه بأنه "عمل إجرامي يقوم به نظام الانقلاب الذي استولى على السلطة بالقوة، ويقمع برصاص القوات المسلحة والشرطة أفراد الشعب الذين يطالبون بالسلام" وكانت هذه المناطق التي ينشط فيها أنصار موراليس قد تحولت في الأيام الأخيرة إلى الحصن الرئيسي الذي تنطلق منه الاحتجاجات ضد الحكومة الجديدة.
أياً كان التوصيف النهائي للحالة السياسية البوليفية بعد التطورات الأخيرة التي بدأت باحتجاجات المعارضة على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 20 أكتوبر 2019 واتهامها نظام الرئيس موراليس بتزويرها، فإن بوليفيا دخلت في نفق أزمة مفتوحة على احتمالات وسيناريوهات كثيرة، حيث يخشى مراقبون دبلوماسيون من وقوع صدامات عنيفة مع قوات الجيش والشرطة قد تُخرج الوضع عن السيطرة، وتدفع البلاد نحو حرب أهلية مفتوحة.
وكان موراليس قد أعلن من المكسيك، أنه على استعداد للعودة إلى بوليفيا، ويتعهد بعدم الترشح مجدداً للرئاسة، وتوصلت على ما يبدو حكومة بوليفيا المؤقتة وبرلمانيون من حزب موراليس إلى اتفاق لإجراء انتخابات رئاسية جديدة، وفي لهجة تصالحية، رحب موراليس بالمحادثات مع خصومه، قائلاً إنها ضرورية لضمان تشكيل حكومة بحلول يناير 2020، أي خلال الإطار الزمني الذي حدده الدستور.
"سيناريوهات مستقبلية محتملة"
يطرح المراقبون عدة سيناريوهات لمستقبل الأزمة السياسية في بوليفيا، أول السيناريوهات: اندلاع توترات عرقية وحدوث حالة من الانقسامات السياسية الحادة على خلفية أن إيفو موراليس، أول رئيس لبوليفيا من السكان الأصليين، ومع رحيل موراليس الشخصية الأكثر تفضيلا لدى السكان الأصليين وحلول رئيسة من أصل أوروبي في منصب القائم بأعمال الرئيس خلفا له.
السيناريو الثاني: إجراء انتخابات رئاسية مبكرة مع حلول يناير المقبل، تجنباً لتردى الأوضاع الاقتصادية ودخول بوليفيا إلى نفق مظلم يعمل على عودة البلاد لعقود سابقة ،أما السيناريو الثالث: حدوث نوع من التدخلات الإقليمية والدولية في الشئون السياسية لبوليفيا، الأمر الذي ربما يسفر عن نوع ما من الرهانات السياسية لبروز أو تأييد قوى سياسية على حساب قوى أخرى تحقق الطموحات السياسية للخارج قبل الداخل.
وتتهم السلطات البوليفية الحالية موراليس بتزوير الانتخابات منذ عام 2013، عندما دعا إلى استفتاء لتعديل الدستور، وإلغاء القيود المفروضة على عدد الولايات الرئاسية، وكان موراليس قد خسر ذلك الاستفتاء، لكن المحكمة الدستورية التي كانت موالية له أبطلت النتيجة، وأجازت ترشيحه لولاية ثالثة، كما وجهت إلى موراليس تهماً أخرى بالفساد المالي، والتلاعب بنتائج الانتخابات الأخيرة التي أجريت في العشرين من أكتوبر الماضي.
فيما أعلنت الرئيسة الجديدة قطع العلاقات الدبلوماسية مع فنزويلا، وطلبت من الدبلوماسيين الذين يمثلون نظام نيكولاس مادورو مغادرة العاصمة البوليفية "لاباز"، وأعلنت كوبا قرارها سحب 725 من الفنيين، ومعظمهم من الأطباء من بوليفيا، بعد تعرض أربعة منهم للاعتقال، واتهامهم بتمويل الاحتجاجات الشعبية وتنظيمها، إذ تعد هذه الخطوة بمثابة الانفصال التام عن سياسات موراليس، الذي كان أحد الداعمين القلائل لنظام الرئيس الفنزويلي مادورو.
يذكر أن كوبا كانت حليفاً رئيسياً لموراليس منذ وصوله إلى السلطة في عام 2006، ووقعت معه عشرات الاتفاقات للتعاون، أرسلت بموجبها دفعات من التقنيين والمستشارين إلى بوليفيا. وكانت هافانا قد وصفت استقالة موراليس بأنها انقلاب على الشرعية الدستورية، وتوقعت تدهوراً لعلاقاتها مع بوليفيا بعد استقالته.
ويأتي سحب الأطباء الكوبيين من بوليفيا بعد أيام من القرار الذي اتخذته حكومة الإكوادور بإنهاء عقود 400 طبيب كوبي كانوا يعملون كمستشارين منذ سنوات في المناطق الريفية، وأنهت البرازيل أيضاً عقود ٨ آلاف طبيب كوبي، بعد وصول جايير بولسونارو إلى الرئاسة، و اتهمت وزارة الخارجية الكوبية الولايات المتحدة بأنها وراء محاولة "تشويه سمعة برنامج التعاون التقني الكوبي في أمريكا اللاتينية".
كما انسحبت حكومة الرئيسة جانين آنييز من كتلتين إقليميتين هما: المعاهدة البوليفارية لشعوب أمريكا (ألبا)، واتحاد أمم أمريكا الجنوبية (أونيسور)، المؤلفين من بلدان يسارية حليفة.
وفي هذا الصدد، تؤكد دراسات لمتخصصين في شؤون أمريكا اللاتينية أن أولويات الرئيسة آنييز خاطئة، وأن الوقت ليس مناسباً للتفكير في المعارك الآيديولوجية الكبرى في المنطقة، بل لمحاولة إصلاح التوافق السياسي والاجتماعي في بوليفيا، كما أن الاستقطاب الإقليمي الذي يتم على الساحة الوطنية لن يؤدي إلا إلى تأجيج الانقسامات، ويجعل من الصعب إيجاد إجماع للانقسامات المستقطبة في بوليفيا.
ويبقى القول أنه مع مرور الوقت وشيوع حالة من الاضطرابات السياسية في بوليفيا، سيبقى المشهد السياسي في حالة من الغموض التام، خاصة مع تغير لهجة موراليس، قائلاً "إنه ما زال الرئيس الشرعي للبلاد ما دام البرلمان وهو الهيئة المخوّلة قبول استقالتي أو رفضها، لم ينظر بعد في موضوع الاستقالة"، علما بأن الحزب الاشتراكي الحاكم يسيطر على ثلثي المقاعد في مجلسي الشيوخ والنواب.
ويزيد من حالة الضبابية والغموض في المشهد السياسي البوليفي، توجيه الرئيس المستقيل موراليس انتقادات شديدة إلى منظمة البلدان الأمريكية التي رفضت توصيف ما حصل بالانقلاب على الشرعية الدستورية، واعتبر أمينها العام لويس آلماجرو أن "الانقلاب حصل عندما قام موراليس بتزوير نتيجة الانتخابات".
وكان موراليس قد صرح بأن آلماجرو "يتصرف تنفيذاً للتعليمات التي تأتيه من الإدارة الأمريكية، واتهم المعارضة التي انقلبت عليه بدعم من الجيش أنها ترفض وصول السكّان الأصليين إلى الحكم وتريد العودة إلى الحقبة الاستعمارية".
تجدر الإشارة إلى أن بوليفيا هي الدولة الوحيدة في أمريكا اللاتينية التي يشكل فيها السكان الأصليون، أو الأروميون، غالبية السكان، إذ يزيد عددهم على 62 في المائة من المجموع ، فالسكان الذين ينحدرون من أصول الهنود الحمر الأمريكيين يشكلون 54% من مجموع السكان، وهم يعيشون في المناطق المرتفعة، أما المناطق المنخفضة فقليلة في عدد سكانها حيث تقع في شرقي البلاد وتقدر نسبتهم بـ 32% وهم عبارة عن خليطٍ بين الأوروبي والهندي، وما تبقى من سكان بوليفيا والذين يشكلون 14% فهم من أصول أوروبية.