• الصين
    الصين


تقرير: أحمد تركي
رغم وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اتفاق الهدنة التجارية ، الذي توصل إليه مع نظيره الصيني شي جين بينج على هامش قمة مجموعة العشرين، بأنه "اتفاق لا يصدق"، فإن ثمة كثير من الشكوك والتحديات المهددة للعلاقات الأمريكية الصينية والتي تضع اتفاق الهدنة محل تساؤلات.
فخلال العشاء الذى جمع ترامب وشى عقب قمة العشرين في العاصمة الأرجنتينية "بوينس إيرس" مؤخراً، وافق ترامب على إلغاء زيادة التعريفة الجمركية على الواردات الصينية إلى 25% بداية من العام المقبل مقابل زيادة المشتريات الصينية للمنتجات الزراعية والصناعية الأمريكية. وسيواصل الجانبان المحادثات بشأن التغييرات الهيكلية فى الممارسات الصينية بما فى ذلك نقل التكنولوجيا.
ورحب المحللون ومنظمات الأعمال بالاتفاق على تأجيل زيادة الرسوم المقررة على كمية إضافية من السلع الصينية، التي تستوردها الولايات المتحدة لمدة ثلاثة أشهر، باعتباره انفراجة، ويؤدي إلى تجنب تدهور العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.

تحديات من الجانبين
لا شك أن التطورات الاقتصادية في واشنطن وبكين تفرض أجواء من التحديات حول الالتزام بهدنة التسعين يوماً، أولاً: جدية وصدقية المفاوضات: فالمفاوضات المنتظر بدؤها بين البلدين، هي واحدة من المفاوضات التي يقول ترامب عنها إنها المفاوضات التي ظل الصينيون يتطلعون إليها منذ شهور، فيما يرى الصقور في إدارته أنها مثيرة للريبة.
ثانياً حسابات الداخل: فبعد عودة الرئيسين من الأرجنتين، ستكون أمامهما حسابات أخري، وسيكون لكل رئيس منهما جمهوره الذي يريد مغازلته، وبالنسبة للرئيس الصيني سيكون السؤال هو كيف يتجاوب مع المطالب الأمريكية التي تبدو منطقية من الناحية الاقتصادية في بعض الحالات، مثل فتح الاقتصاد الصيني أمام مزيد من المنافسة الخارجية، مع النفور الوطني الصيني التقليدي من فكرة الرضوخ لضغوط القوى الأجنبية.
ولعل من الأحداث المهمة التي ينتظرها "شي" احتفال الصين بالذكرى الأربعين لإطلاق برنامج الرئيس الأسبق دينج شياو بنج للإصلاح والانفتاح الاقتصادي، والذي كان البداية للصعود الاقتصادي للصين، ومن الممكن أن يستغل "شي" الاحتفال لإطلاق حزمة إصلاحاتها والاستجابة الهادئة للكثير من المطالب الأمريكية.
كما أن الرئيس ترامب، الذي يزعم أن الرسوم التي فرضها خلال العام الحالي على كمية قيمتها 250 مليار دولار من الواردات الأمريكية من الصين، وتهديده بفرض المزيد من الرسوم على المنتجات الصينية، منحت بلاده تفوقا في حربه ضد الممارسات التجارية غير العادلة، لكن هذه الرسوم لم تؤد إلى أي تنازلات ملموسة من جانب شي بالنسبة للمطالب الأمريكية.
ثالثاً: عدم كفاية مدة التفاوض: ووفقاً لخبراء الاقتصاد في "بلومبرج إيكونوميكس"، إن المشكلات الهكيلية الخطيرة في العلاقات التجارية الأمريكية الصينية لا يمكن حلها في مثل هذه الفترة القصيرة "التسعين يوماً"، وأن الصين لديها بعض السياسات مسبقة التجهيز، ويمكنها تقديمها كإصلاحات في السياق المحلي وكتنازلات بالنسبة للولايات المتحدة.
ويرى هؤلاء الخبراء، أن ترامب، الذي أظهر ميولا تصادمية بالنسبة لقضايا التجارة الدولية في أول عامين له في البيت الأبيض، يبدو الآن أنه يتراجع عن هذه السياسة بالنسبة للصين، فترامب، الذي أظهر قدرته على إثارة الاضطراب في نظام التجارة العالمية القائم منذ عقود مع استخدام أدوات تحظى بالازدراء منذ وقت طويل، مثل الرسوم الجمركية، أظهرت تطورات الملفات الاقتصادية أنه بدا يتراجع عن هذه السياسات، كما حدث بعودته إلى التفاوض مع المكسيك وكندا حتى تم التوصل إلى اتفاق تجاري جديد بديلا عن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "نافتا"، ووافق على الدخول في مفاوضات تجارية مع اليابان والاتحاد الأوروبي.
رابعاً: تزايدة حدة الطموح الصيني: إذ يمثل قرار الرئيس الصيني "شي جين بينج" تغيير العقيدة الصناعية للصين لكي تتخلص من تبعيتها التكنولوجية للغرب، وتصبح إحدى الدول الكبرى في مجال التكنولوجيا المتقدمة، والذي جاءت على إثره استراتيجية "صنع في الصين 2025" بهدف تطوير القطاع الصناعي الصيني والتركيز على الصناعات المتقدمة والتكنولوجية العالية، يمثل أحد أهم التحديات أمام اتفاق الهدنة مع أمريكا.
وفي إطار سعي الصين لتحقيق هيمنتها في مجالات التكنولوجيا الفائقة أو المتقدمة خلال السنوات القادمة، اهتمت بإرسال الطلاب الصينيين لدراسة المواد العلمية المرتبطة بهذه التقنيات في الجامعات الأوروبية والأمريكية تحديدًا، حيث تعتبر الصين أكبر مُصدّر للطلاب المبتعثين في الخارج بعدد يتجاوز 600 ألف طالب، كما قامت بإنشاء أكثر من 4200 ورشة إنتاج ابتكارية، وأكثر من 3 آلاف حاضنة تكنولوجية، ولذلك ينظر بعض المحللين إلى أن تنامي القدرات الصينية التكنولوجية خاصة في هذه المجالات سيزيد التوتر بين البلدين.
خامساً: الرغبة الأمريكية في المقاومة الشرسة: حيث تسعى إدارة ترامب إلى فرض قيود على الشركات التي بها نسبة مساهمة صينية تتجاوز 25% والتي تسعى للاستثمار أو حتى شراء تكنولوجيات أمريكية متقدمة في مجالات محددة معظمها يتعلق بالأمن القومي، مثل صناعة الشرائح الدقيقة والتشفير، فضلاً عن الذكاء الاصطناعي .
ولم يقتصر الأمر على ذلك، إنما منعت إدارة ترامب الطلاب الصينيين الذين يدرسون مجالات لها علاقة بالتكنولوجيا من الحصول على فيزا أكثر من عام واحد، إذ ترى واشنطن أن في ذلك تهديداً لأمنها القومي، كما يتوقع خبراء أن يتم تعطيل إصدار التأشيرة الأمريكية عدة أشهر إذا كان من بين طلاب التأشيرة الصيني مديرا أو باحثا في بعض الكيانات المحددة المتعلقة بالتكنولوجيا.
وتخلص العديد من الدراسات الاقتصادية إلى أن الصراع الصيني مع الولايات المتحدة الأمريكية، سيظل هو السمة المميزة للعلاقات خلال الفترة المقبلة، وإذا كانت قمة العشرين أسهمت جزئياً في تجاوز بعض العقبات التجارية، وأسهمت في استقرار أسعار النفط، وهي مسألة مهمة للاقتصاد العالمي، إلا أن الحروب الاقتصادية ستظل هى الحاكمة لمنظومة العلاقات بين قوى النظام العالمي، بعد أن تم إضعاف منظمة التجارة العالمية، بفعل تضارب مصالح دول العالم.