• كوريا الشمالية
    كوريا الشمالية


تقرير : أحمد تركي (مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط )

تتصاعد حدة الأزمة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية بعد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة تداعيات البرنامج النووي الكوري، وبعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن كل الخيارات مطروحة في الرد على التصعيد الكوري، وعقب استنفار واشنطن دول الجوار الإقليمي لبيونج يانج من التأثيرات السلبية على الصين واليابان وكوريا الجنوبية، وكأن وشنطن تريد زيادة حدة الضغوط الدولية على بيونج يانج للتراجع عن عنفوانها الصاروخي والنووي.
جاء ذلك أيضاً على خلفية إطلاق كوريا الشمالية صاروخا بالستيا في تجربة فاشلة في تحد واضح للإدارة الأمريكية، إذ اتهم الرئيس الأمريكي ترامب بيونج يانج "بتقليل الاحترام" للصين حليفتها الرئيسية، في إشارة إلى تأليب الموقف الصيني ضد كوريا الشمالية، كما اعتبر رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أن إطلاق الصاروخ "مرفوض تماماً"، ودعت فرنسا بيونج يانج إلى الامتثال "بلا تأخير" لالتزاماتها وتفكيك برامجها النووية والبالستية.
كان وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون قد أكد على إرادة واشنطن في التصدي للعدوان الكوري الشمالي بعمل عسكري اذا لزم الأمر، وأنها لن تكافئ التصرف السيئ لكوريا الشمالية بمفاوضات، لكنه أشار إلى رغبة واشنطن في ذات الوقت في تفضل الحل التفاوضي الدبلوماسي.
خبرة تاريخية سيئة
تستند واشنطن والإدارة الأمريكية الجديدة في موقفها ضد بيونج يانج إلى الخبرة التاريخية السيئة لكوريا الشمالية في إدارة ملفها النووي مع واشنطن، ففي عام 2003 تعهدت بيونج يانج بالمشاركة في مفاوضات سداسية مع كوريا الجنوبية واليابان وروسيا والولايات المتحدة والصين، ثم فشلت هذه المفاوضات في عام 2009 ، واستمرت إدارة باراك اوباما (2009-2017) طوال ثماني سنوات في التهديد بالعقوبات من جهة وتحريك المفاوضات من جهة أخرى.
لكن النظام الكوري ضاعف إطلاق الصواريخ البالستية وأجرى خمس تجارب نووية تحت الارض منها تجربتان في 2016، وبسبب هذه البرامج العسكرية خضع نظام بيونج يانج لعقوبات دولية في إطار سلسلة قرارات اصدرها مجلس الأمن الدولي. والآن تحاول بيونج يانج كسر إرادة المجتمع الدولي والوصول إلى نقطة جديدة تستند إلى مركز تفاضي أكبر في حالة التفاوض حول برنامجها العسكري، مستقوية في ذلك بالموقف الصيني.
إذ يرتكز موقف بكين من تطورات الأزمة الكورية على رغبتها في إجراء حوار لنزع الترسانة النووية الكورية الشمالية واعتباره السبيل الأفضل، ومحذرة بيونج يانج من مخاطر الفوضى ووقوع كوارث في حال اللجوء الى القوة العسكرية.
وقدمت الصين مجددا اقتراحا يقضي بتجميد البرامج النووية والبالستية الكورية الشمالية لقاء وقف التدريبات العسكرية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية المرتبطتين بمعاهدة تحالف منذ الحرب الكورية 1950 ـ 1953.
سيناريوهات مفتوحة
باتت الأزمة الكورية مفتوحة على كل السيناريوهات والاحتمالات، في ظل حالة التأهب والاستعداد من كافة الأطراف المباشرة وغير المباشرة، فبعد خمس تجارب نووية لكوريا الشمالية والعديد من الصواريخ البالستية، أمر ترامب بتحريك حاملة الطائرات "كارل فينسون" وثلاث سفن قاذفة للصواريخ التي أرسلت إلى شبه الجزيرة الكورية، و"أسطول" يضم غواصات، أعلنت كوريا الشمالية أنه في حال اندلاع حرب فسيتم تدمير القواعد الأمريكية في كوريا الجنوبية وما سمتها "مقرات الشر" مثل الرئاسة الكورية الجنوبية في سيول خلال دقائق.. فهل هذا ينذر بحرب؟
ثمة سيناريوهات متوقعة للأزمة بين واشنطن وبيونج يانج، يأتي في مقدمتها:
السيناريو الأول: سيناريو المفاوضات السلمية، في ظل حسابات الطرفين للخسائر الاستراتيجية في هذا التوقيت تحديداً، تدفع الطرفين للجلوس لمائدة المفاوضات وإحياء المفاوضات السداسية مرة أخرى ولكن وفق شروط ومتطلبات جديدة، فترامب يدرك تماماً أن قرار الحرب بمثابة انتحار سياسي، ورئيس كوريا الشمالية رغم تهديداته يدرك أيضاً أنه لن يفوز في حالة حرب وأنه سيخسر برنامجه الصاروخي بكل أنواعه.
يدعم هذا السيناريو وجود أطراف دولية أخرى على خط الأزمة تلعب دوراً مؤثراً في مسارها المستقبلي، إذ قدمت الصين عرضاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل وقف التصعيد بين البلدين، ينص على "التعليق مقابل التعليق"، أي أن توقف بيونج يانج أنشطتها النووية والبالستية، فيما توقف واشنطن مناوراتها العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية، وهي تدريبات سنوية يعتبرها الشمال استفزازاً له، أما روسيا فقد دعت جميع الأطراف إلى "ضبط النفس" وحذرت من أي عمل يمكن أن يفسر على أنه استفزاز، واتفقت الصين وروسيا على إعادة جميع الأطراف المتناحرة إلى طاولة المفاوضات.
السيناريو الثاني: سيناريو الاستنزاف، أي أنه في ظل العقيدة الجديدة لحلف الناتو، من المتوقع في إطار توسيع مهام الحلف ودفاعه عن إحدى الدول المركزية فيه "واشنطن" أن يسلك مسار التصعيد ضد بيونج يانج دون الدخول في مواجهات مباشرة وكأنها حرب استنزاف، حتى ترتعد كوريا الشمالية، ولكن الأخيرة ترغب في تحقيق أهداف أخرى أكثر ضرراً لواشنطن.
ووفقاً لمحللين، فإن كوريا الشمالية الآن تطلق نوعاً جديداً من أنواع الحروب هي مزيج من حروب الاستنزاف والحرب المحدودة والحرب الإعلامية، وهو ما يسمى بالحرب الباردة بنسختها الجديدة، فعندما أعلنت عن خطتها العسكرية وقامت بتحريك صاروخين داخل كوريا وأصدرت إعلان بإخلاء السفارات الأجنبية، عمدت كوريا الجنوبية إلى رفع حالة الاستعداد، وأمريكا شرعت تتأهب وتستدعي حلفاءها، والفلبين ودول أخرى تفتح أراضيها لأمريكا لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية.
ويرى الخبراء أن هذه حرب استنزاف تستند إلى ممارسة ما يعرف في حقل نظريات السياسة الدولية بنظرية المباريات أو إستراتيجية اللعب في العلاقات الدولية، فهناك خليط من مفاهيم نظريات السياسة الدولية تمارس دورها في الصراع والتصعيد الدائر في شبه الجزيرة الكورية.
فكوريا الشمالية ربما لا تريد الحرب، ولكنها تريد أن تفرض إرادتها على أمريكا، وترسل رسالة قوية لبعض أعدائها القريبين وهي تعلم أن ما تدفعه من ثمن في حربها الاستنزافية مع أمريكا يتناسب مع ما ستحققه من مكاسب على المدى الاستراتيجي البعيد.
أما السيناريو الأخير فربما يكون اللجوء للخيار العسكري وهو بمثابة انتحار للطرفين وبداية اندلاع حرب عالمية ثالثة، تقف فيها الصين في موقف صعب ما بين حليف قوي لبيونج يانج، ومعارض قوي كذلك للتجارب النووية التي يجريها الزعيم كيم يونج أون.
ومع ثقة ترامب في قدرة بكين على حل الأزمة، التي ما زالت على الحياد إلى حد ما، إلا أنه من المتوقع حرب تكسير عظام اقتصادية بين أمريكا والصين حليفة كوريا الشمالية، وهو ما سيدخل االعالم في أزمة مالية ضخمة، تهدد استقرار وأمن المجتمع العالمي.
ويبقى القول أن المتغيرات التي يشهدها النظام العالمي وانتشار ظاهرة الإرهاب في كل دول العالم، ومعاناة بعض القوى الإقليمية من عدم الاستقرار السياسي، يقضي بضرورة التوصل إلى مفاوضات سلمية لحسم ملف الأزمة بين واشنطن وبيونج يانج مدعومة في ذلك من الأمم المتحدة بكافة أجهزتها ومنظماتها والقوى الدولية الفاعلة في هيكل النظام الدولي.