• الاحتفال بالمولد النبوي
    الاحتفال بالمولد النبوي


تقرير: شيماء عبد الفتاح
تحتفل تونس والأمة الإسلامية، اليوم /الثلاثاء/، بذكرى المولد النبوي الشريف، فهو حدث سنوي تمتزج فيه العادات والتقاليد بالأبعاد الروحية والفنية والشعبية والاجتماعية، لتنتج مناسبة متكاملة الأبعاد تحرص الشعوب العربية الإسلامية على تجديد الاحتفال بها.
والمولد النبوي في تونس له مكانة خاصة، والاحتفالات بهذه المناسبة الدينية لها طابع مميز لدى التونسيين، إذ تستعد العائلات التونسية لهذه المناسبة قبل أيام، وتخصص لها استعدادات مميزة كغيرها من المناسبات الدينية، فما زالت تتصاعد رائحة العصيدة بنكهاتها العبقة من أواني الطهي، التي تتولى ربات البيوت طهيها قبل يوم وتزيينها وزخرفتها بحبات الفاكهة وتقديمها للأهل والجيران أثناء تبادل الزيارات.
وللعصيدة "الزقوقو" أصول تاريخية طريفة، حيث تذكر التونسيين بالمجاعة والجفاف التي عرفتها البلاد سنة 1864، حينها اضطرت أعداد كبيرة من العائلات إلى اعتماد الزقوقو كمادة معوضة للقمح.
ومن أبهى صور الاحتفال بالمولد هو استعداد مدينة القيروان التي اشتهرت بتجهيزاتها وتحضيرها لهذه المناسبة الذي يمتد لمدة أسبوع، حيث تزينت في أبهى صورة، وأقيمت بها الزينة بمختلف الزوايا والساحات، وتعالت أصوات المدح والأذكار النبوية، فلا تجد مسجدا أو مقاما إلا وممتلئ بصوت الذكر والمديح والصلاة على أشرف الخلق نبينا محمد صل الله عليه و سلم لإحياء ذكرى مولده.
كما تزيد الحركة التجارية والاقتصادية التي تعم أرجاء المدينة من خلال معرض تجاري وفلاحي، ومعرض للصناعات التقليدية التي تشتهر بها تونس، وتزين واجهات المحلات التجارية بالأواني النحاسية والمنسوجات الصوفية، وأصناف متنوعة من الحلويات التقليدية التي تتميز بها مدينة القيروان.
ويجتمع الآف المصلين ليلة المولد في ساحة جامع "عقبة" للصلاة وتلاوة القرآن وتنظيم مسامرات دينية وتكريم المتفوقين في مسابقات حفظ الأحاديث النبوية.
وفي إطار الإعداد لهذه المناسبة يتم تنظيم بعض الندوات التي تنظمها وزارة الشؤون الدينية سنويا بمدينة القيروان وتم تنظيمها هذا العام تحت عنوان "السيرة النبوية الشريفة: تجسيد لتعاليم الإسلام وقيم المواطنة، بالإضافة إلى تنظيم العديد من العروض الدينية والمسابقات بين الأطفال، والندوات الإسلامية، ومسابقات في ترتيل القرآن والإنشاد الديني والصوفي، ومسابقات في شعر مدح الرسول، ونشاطات شبابية.
ويرجع أول احتفال تونسي بالمولد تاريخيا إلى العهد الحفصي وتحديدا فترة السلطان أبي فارس عبد العزيز (1394م- 1434م) وقد تلونت طقوس الاحتفال في ذلك العهد بطابعين أحدهما: جمالي وفني، والثاني اجتماعي وإنساني، حيث كان مبالغا في إضاءة وتزيين الجوامع وإكثار المدائح والأناشيد، حيث يتم جمع صبيان الكتاتيب لإنشاد قصيدة البردة للإمام البوصيري، وأما الطابع الإنساني والاجتماعي فيبرز في تزايد الصدقات سواء ليلة المولد النبوي أو بعده ولاسيما إثر ختم التلاوة.
وفي عهد الدايات، فقد خصص يوسف داي (1610- 1637م) منحة الخمسة ريالات للمؤديين، وتعتبر قيمتها هامة جدا إذ كانت تكفي صاحبها سنة كاملة من المواد الغذائية الضرورية، وكل ذلك كان ببركة المولد.
وفي عهد الحسيني فقد اتخذت الطقوس طابعا رسميا وخاصة في عهد المشير الأول أحمد باي (1837- 1855م) الذي عرف بنزعته الاستقلالية التي كان حريص فيها على إبراز خصوصية تونس لذلك شمل إصلاحه النواحي العسكرية (تحديث الجيش بما يفوق ميزانية الدولة) والتربوية (تأسيس الصادقية والمدرسة الحربية بباردو وإصدار أول أمر عالي لتنظيم التعليم بجامع الزيتونة) والاجتماعية إذ أصدر أوامره لإقامة موكب رسمي بالقيروان احتفالا بالمولد النبوي في العاصمة سنة 1841م وأكثر الصدقات طيلة شهر المولد.
وبعد استقلال البلاد فقد استمر الاحتفال بالمولد النبوي ولكن وفق معايير مختلفة ففي عهد رئيس الجمهورية الحبيب بورقيبة فإنه كان يعتلي منبر جامع عقبة بن نافع ليبين رؤيته الخاصة للإسلام والاجتهاد.
وفي عام 1987م أصبح هناك تفخيما أكبر للاحتفال بالمولد النبوي سواء في جامع الزيتونة أو بمدينة القيروان بصفة خاصة، حيث تقوم وزارة الشؤون الدينية بتنظيم ندوة فكرية دولية هامة يشارك فيها الباحثون والمفكرون الذين تختارهم، وتكون مناسبة قوية للنقاش الفكري، ويتم توظيف كافة وسائل الإعلام للاحتفال بالمولد، ومازالت الاحتفالات مستمرة على هذا النهج حتى الآن.