• الرئيسان الأمريكي والتركي
    الرئيسان الأمريكي والتركي
  • الأزمة التركية الأمريكية
    الأزمة التركية الأمريكية


القاهرة - مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط

تقرير : شحاتة عوض...
في مؤشر جديد على تصاعد الأزمة الحالية التي تعصف بالعلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، لوح الرئيس التركي رجب طيب أرودغان بأن بلاده قد تبحث عن حلفاء وشركاء جدد، وردا على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن ضد أنقرة قبل أيام قال أردوغان إن كانت الولايات المتحدة تريد التضحية بعلاقاتها مع تركيا فإن بلاده سترد بالبحث عن "أسواق جديدة، وشراكات جديدة وحلفاء جدد .
ووصف أرودغان الإجراءات الأمريكية الأخيرة ضد بلاده بأنها "حرب اقتصادية" و"مؤامرة سياسية" هدفها استسلام تركيا، وقال إن "ما فشلوا في تحقيقه عبر التحريض ومحاولة الانقلاب، يحاولون حاليا تنفيذه عبر المال"، مضيفا أنه ليس بإمكان أي دولة أو مؤسسة تصنيف ائتماني أن تهدد تركيا وشعبها.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أمر يوم الجمعة الماضي بمضاعفة الرسوم الجمركية المفروضة على واردات الولايات المتحدة من الحديد والألومنيوم المستوردين من تركيا، بحيث تصبح رسوم استيراد الألومنيوم 20% والصلب 50% وذلك فى خضم تصاعد التوتر بين البلدين العضوين بحلف شمال الأطلسي .
جاءت هذه الخطوة بعد أيام من فرض واشنطن عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين على خلفية رفض أنقرة طلبا أمريكيا بإطلاق سراح قس أمريكي يواجه عدة تهم من جانب القضاء التركي، من بينها التجسس والاتصال بجماعات تصنف في تركيا على أنها إرهابية، وكشف أردوغان أن الولايات المتحدة كانت قد أمهلت تركيا حتى الأربعاء الماضي للإفراج عن القس أندرو برنسون قائلا إن واشنطن هددت بفرض عقوبات على تركيا إذا رفضت إطلاق سراح القس.
وبينما لا تبدو في الأفق، حتى الآن على الأقل، بودار على انفراج في التوتر الحالي في العلاقات التركية الأمريكية، فإن الأزمة الحالية بين البلدين والتي توصف بأنها الأسوأ في تاريخ هذه العلاقات منذ منتصف السبعينيات، تطرح أسئلة عديدة حول انعكاسات هذه الأزمة على الاقتصاد التركي ومدى قدرته على تجاوزها، لاسيما في ظل التدهور اللافت في سعر العملة التركية، والمخاوف من تداعيات ذلك على الوضع الاقتصادي ككل، ومناشدات أردوغان للشعب التركي من أجل تحويل ما لديه من دولارات إلى الليرة التركية.
فعلى الصعيد الاقتصادي ظهرت تأثيرات الإجراءات الأمريكية الأخيرة سريعا على الاقتصاد التركي تمثلت في الانهيار اللافت في سعر الليرة التركية أمام الدولار، فبعد يوم واحد من قرار الرئيس الأمريكي برفع الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الأمريكية من الصلب والألومنيوم من تركيا، سجل سعر الليرة تراجعا واضحا بلغ قرابة 19% أمام الدولار .
وتعتبر تركيا واحدة من أكبر مصدري الصلب في العالم، حيث بلغت قيمة صادراتها من الصلب العام الماضي 11.5 مليار دولار، أي ما يعادل 7.3% من إجمالي الصادرات التركية البالغ قيمتها 157 مليار دولار، وجاءت الولايات المتحدة في مقدمة الدول المستوردة للصلب والألومنيوم التركي، العام الماضي، حيث بلغت قيمتها حوالي 1.1 مليار دولار، وحلت تركيا في المرتبة السادسة من حيث كمية صادراتها من الصلب إلى الولايات المتحدة، حيث بلغ حجمها في السوق الأمريكية حوالي 7% العام الماضي.
وردا على هذه الإجراءات كرر الرئيس التركي دعوته أكثر من مرة خلال الأيام الماضية إلى المواطنين الأتراك لتحويل ما لديهم من دولارات أو يورو إلى الليرة التركية بهدف دعم العملة الوطنية المتراجعة، واعتبر أن هبوط العملة في الآونة الأخيرة "يظهر مخططا ضد تركيا، كما طالب أردوغان أصحاب الشركات ورجال الأعمال والصناعة الأتراك بالمساعدة في مواجهة الوضع الاقتصادي الصعب الذي تواجهه البلاد، وقال إن الحفاظ على المصالح التركية ليس من واجب الحكومة وحدها "بل من واجب الصناع والتجار أيضا، إلا سنضطر إلى تطبيق الخطة باء والخطة جيم".
تحذيرات أرودغان لرجال الأعمال وأصحاب الشركات، أثارت مخاوف البعض من أن الحكومة التركية قد تضع يدها على ودائع البنوك، وهو ما نفاه بشدة رئيس مكتب الاتصالات بالرئاسة التركية فخر الدين ألتون الذي قال، في عدة تغريدات له على موقع تويتر، إن أردوغان لم يطرح إطلاقا في أي من تصريحاته مسألة وضع الدولة يدها على الودائع.
على الصعيد نفسه، أعلن البنك المركزي التركي اليوم سلسلة من الإجراءات والتدابير التي اتخذها لدعم الاستقرار المالي، من بينها التعهد للبنوك العاملة في البلاد بتوفير كافة أنواع السيولة اللازمة، وإتاحة استخدام اليورو كعملة معتمدة لمقابلة احتياطات الليرة إلى جانب الدولار، وذكر البنك، في بيان له، أن هذه الإجراءات ستوفر 10 مليارات ليرة و6 مليارات دولار و3 مليارات دولار من الذهب.
ولا شك أن الأزمة الدبلوماسية الحالية بين الولايات المتحدة وتركيا، ساهمت في تدهور سعر صرف الليرة التركية في الأيام الماضية، خاصة ما صاحبها من تهديدات بفرض عقوبات على تركيا، لكن بعيدا عن التفسيرات السياسية لتدهور سعر العملة التركية، وحديث المؤامرة الذي يعتمده أردوغان في خطاباته عن الأزمة الحالية، يشير العديد من الخبراء إلى أن هناك أسبابا اقتصادية ومالية أدت إلى هذا التراجع الكبير في سعر الليرة، وهي أسباب سابقة على الأزمة الحالية، وتتعلق أساسا ببنية الاقتصاد التركي نفسه .
ووفقا لبيانات البنك المركزي التركي، فقدت الليرة التركية أكثر من 30% من قيمتها منذ مطلع العام الحالي، كما انخفض مؤشر الثقة الاقتصادية بنسبة 4.9% مع نهاية مايو 2018، مقارنة بشهر أبريل من نفس العام، في ظل استمرار ارتفاع معدلات التضخم التي توقع البنك المركزي أن تصل 13.4% مع نهاية 2018.
وتتمثل أهم هذه الاسباب الاقتصادية في عجز الحساب الجاري، فاستمرار عجز الحساب الجاري، الذي يعني أن حجم الحوالات النقدية الخارجة من البلاد أكبر من حجم الحوالات الداخلة إليها، يعد أحد أهم المعضلات التي تواجه الحكومة التركية، لاسيما في ظل اعتمادها في سياستها الاقتصادية في السنوات الأخيرة على التدفقات المالية قصيرة الأجل، وهو ما يراه الخبراء الاقتصاديون سيفا ذا حدين، فعلى الرغم من دور تلك التدفقات في تحريك عجلة السوق، وتحقيق النمو الاقتصادي، لكن الاعتماد عليها وجعلها المحرك الرئيسى للسوق يعتبر مخاطرة عالية؛ وذلك لحساسيتها وتأثرها بالاضطرابات والأزمات؛ سواء داخلياً أو خارجياً، وهذا ما أثبتته الأزمة الأخيرة مع الولايات المتحدة.
أما السبب الثاني لتدهور سعر العملة التركية فيرتبط بالدين العام لتركيا، ويرى الخبراء أنه ساهم في إضعاف الاقتصاد التركي، خصوصا أن تركيا لديها مستوى مرتفعا من الديون بعضها مستحق الدفع في القريب العاجل بالإضافة إلى الديون الجديدة، وهذا يعني بلغة السوق المالي أنه يجب إعادة تمويل الدين، وتقدر وكالة "فيتش" لتقييم الاستثمار الحاجة المالية الكلية لتركيا هذا العام بما يقارب 230 مليار دولار وهناك عامل آخر له علاقة بالدين العام ، وقد يساهم في إضعاف الاقتصاد التركي، ويتمثل في استدانة الكثير من الشركات التركية بالعملة الأجنبية، وتُعد هذه القروض أكثر تكلفة عند إعادتها في حال انخفضت قيمة العملة المحلية وهو ما حدث بالفعل، كما تعاني تركيا من عجز في ميزان تجارتها الخارجية بلغ نحو 5ر5% من الدخل القومي للبلاد وهي نسبة يرى الخبراء أنها كبيرة جدا.
وحتى ينقشع غبار الأزمة السياسية الحالية بين أنقرة وواشنطن، والتي تعود في جوهرها للخلاف الواضح في مواقف البلدين تجاه الكثير من الملفات، يبدو أن الاقتصاد التركي سيتحمل فاتورة هذه الأزمة والتي قد تكون باهظة .