• صور السيلفي
    صور السيلفي


كتب :حسام ابراهيم
صور هذا العام الذي يستعد لشهره الأخير كثيرة حقا !.. صور مبهجة وصور محزنة وكلما اشتعل هذا العالم بنزاعاته وحروبه كلما توالت اسئلة الصورة ومن بينها "صور السيلفي" التي تشكل اضافة مهمة لثقافة الصورة في القرن الواحد والعشرين بقدر ماهي مصدر الهام لمثقفين وفنانين.
كثيرة هي اسئلة الصورة وكثيرة هي الكتب التي تتحدث عن عالم الصورة والمصورين غير ان اغلبها يصدر في الغرب بينما تفتقر المكتبة العربية لجديد الكتب التي تتناول ظواهر جديدة مثل "صور السيلفي" التي تتناولها الثقافة الغربية في كتب جديدة.
ولعل أحدث هذه الكتب التي تتناول "ثقافة السيلفي" كتاب "قصة الرؤية" لمارك كوسينز الذي ولد عام 1965 في بلفاست ويقيم حاليا في ادنبرة عاصمة اسكتلندا وهو مخرج سينمائي وتلفزيوني وناقد ومقدم برامج تلفزيونية معني بتاريخ الصورة على الشاشة وله فيلم وثائقي مدته 15 ساعة وعرض عام 2011 بعنوان :"قصة فيلم :ملحمة".
وواقع الحال ان الكتاب يتناول الصورة على وجه العموم سواء كانت فوتوغرافية او سينمائية وتلفزيونية فيما يبحر مؤلفه بحرية لافتة عبر التاريخ والفن والتصوير السينمائي والعلوم والتقنية ويطرح سؤالا فلسفيا طريفا ومثيرا للفضول :"كيف نظر الانسان الأول للعالم لحظة ان رأى هذا العالم لأول مرة" ؟!.
وفي "زمن صور السيلفي" فان مثل هذا السؤال عن أول نظرة انسانية للكوكب الأرضي لا يمكن الاجابة عليه بصورة دقيقة علميا وانما يتوسل من يبحث عن اجابة بالخيال والفن وابداعات فنانين راحلين كما فعل مارك كوسينز في كتابه الذي يعد اضافة مهمة لكتب اخرى في المكتبة الغربية تناولت من قبل هذا الموضوع بأبعاده المتعددة وجوانبه المتشابكة ومن اشهرها كتاب :"طرق النظر" للناقد الفني البريطاني جون بيرجر الذي قضى في مطلع هذا العام.
ولا ريب ان "صور السيلفي" التي اقترنت بالقرن الواحد والعشرين تشكل "اضافة مهمة لثقافة الصورة في عالم يعيش منذ القرن الماضي في ثقافة الفرجة" ومن هنا حق لمارك كوسينز ان يهتم بهذه الاضافة في كتابه الجديد فيما يصعب فصل "ظاهرة السيلفي" عن ظواهر العصر الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية "الانترنت".
وفي نهاية عام 2013 عندما التقطت رئيسة وزراء الدنمارك السابقة هيلي تورنينج- شميت لنفسها مجموعة مما يعرف "بصور السيلفي" مع قادة دول اخرى مثل باراك اوباما ودافيد كاميرون اثناء المشاركة في جنازة زعيم جنوب افريقيا الراحل نيلسون مانديلا ، فانها تحولت الى نجمة الفضاء الرقمي على شبكة الانترنت واكتسبت اهتماما كبيرا حول العالم يتجاوز بكثير الاهتمام الذي كانت تحظى به وهي تشغل حينئذ منصب رئيس الحكومة في بلادها.
و"السيلفي" او "الصورة الذاتية" او "الصورة الملتقطة ذاتيا" حسب موقع "ويكيبيديا" هي "صورة شخصية يقوم صاحبها بالتقاطها لنفسه باستخدام آلة تصوير او باستخدام هاتف ذكي مجهز بكاميرا رقمية ثم يقوم بنشرها على الشبكات الاجتماعية مثل فيس بوك وتويتر وانستجرام وذلك لاعتمادها كصورة رئيسية في ملفه الشخصي او لتسجيل حضوره في مكان معين او الى جانب اشخاص معينين او حتى للتعبير عن حالة نفسية معينة".
ويقول مارك كوسينز في كتابه الجديد :"قصة الرؤية" انه اذا كانت شبكة الانترنت قد غيرت طريقة تفكيرنا بصورة جذرية فان الهاتف الذكي قد غير في الوقت ذاته الصورة التي نظهر بها وكذلك الطريقة التي ننظر بها او منظور الرؤية فيما لم يكن هذا النوع من التغير بانعكاساته على السلوك الانساني متصورا حتى سنوات قليلة خلت.
واذا كان "السيلفي" ككلمة او مصطلح نحتها منتدى الكتروني في استراليا عام 2002 فصور السيلفي لم تبدأ في الانتشار عالميا الا منذ عام 2012 غير ان هذا التغير بات مألوفا اليوم حتى أن صور السيلفي امست ظاهرة عادية لاتثير أي نوع من الدهشة كما يلاحظ مارك كوسينز.
وقد لا تخلو المخيلة الشعبية من اساطير عن عالم المصورين تتقافز فيها صور لمصور فوتوغرافي شاب ووسيم يحمل كاميرته في خضم المخاطر ويغامر بحياته من اجل صورة وتسهم السينما في تغذية هذه الصورة عبر افلام لاتنسى مثل فيلم "سلفادور".
ولئن تناول مارك كوسينز في كتابه الصورة السينمائية بحكم عمله واهتماماته فان التاريخ الثقافي المصري مدعو لمزيد من الاهتمام بفنانين مصريين وأصحاب رؤى ثقافية عميقة قدموا ابداعات خالدة في هذا المجال.
ولا ريب ان المخرج الراحل محمد خان الذي قضى في السادس والعشرين من شهر يوليو في العام الماضي كان من "فلاسفة الصورة" في السينما المصرية التي قدمت في عصرها الذهبي نجوما مازال العالم يتذكر ابداعهم الفني وحضورهم الطاغي بقدر ما كانت صناعة من اهم مصادر الدخل القومي للبلاد فيما يقدر عدد العاملين حاليا في هذه الصناعة بنحو 300 الف شخص.
ولن يكون من قبيل المبالغة وصف محمد خان بأنه "مفكر مصري كبير ومثقف رفيع المستوى تجلى فكره وثقافته بالصورة " فيما تميز باهتمام اصيل بالقيم الجمالية في اعماله واخرها فيلم "قبل زحمة الصيف".
و"جماليات سينما محمد خان" غير منبتة الصلة باسلوب تبناه شيخ المخرجين المصريين محمد كريم وهو اول من اشتغل بالاخراج السينمائي من المصريين وعرف بالعناية الفائقة "بالمنظر ولوازمه ومحتوياته " وكان يقدم الطبيعة في اجمل صورها وهو ما يتجلى في افلام مثل "زينب" و"الوردة البيضاء".
اما المخرج المصري سعيد مرزوق الذي قضى في الثالث عشر من شهر سبتمبر عام 2014 فهو بحق "المفكر بالصورة" وهو ان رحل بالجسد يبقى حاضرا بابداعاته البصرية الفنية التي قدمها للجماهير العاشقة للشاشة الكبيرة.
ولئن وصف نقاد في الصحافة الثقافية الغربية الكتاب الجديد لمارك كوسينز "قصة الرؤية" بأنه يشكل مرجعا لاغنى عنه لدارسي الفنون والسينما وثقافة الصورة على وجه العموم ، فان افلام سعيد مرزوق صاحب "اريد حلا" و"المذنبون" و"زوجتي والكلب" تشكل بدورها مرجعا لاغنى عنه لدارسي السينما والفنون وثقافة الصورة في مصر والعالم العربي.
وفيما تعرض كتاب "قصة الرؤية" للفن التشكيلي فان المخرج المصري الراحل سعيد مرزوق "كان بداخله فنان تشكيلي يريد ان يكون نفسه" فيما وصفه نقاد عن حق بأنه "فيلسوف الصورة" وقد تأثر ثقافيا بعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين وعملاق الفكر العربي عباس محمود العقاد.
ومن اطرف وأعمق ماكتب عن المفكر والكاتب الكبير عباس محمود العقاد ذلك "التحليل للعقاد بالصور" كما نشرته مجلة الهلال القاهرية منذ اكثر من نصف قرن لعبد الرحمن صدقي الذي شفع الكلمة بالصورة في مراحل متعددة من حياة الأديب العملاق.
ويقول الكاتب الكبير عبد الرحمن صدقي في مقدمة هذا التحليل المصور:"ما ذكرت استاذنا المرحوم عباس محمود العقاد وحدي خاليا بنفسي او تذاكرته في مجلس من مجالس الشعر والأدب والفكر مع الخواص من اخوانه واخواني الا تراءى ذلك العملاق على قيد الحياة أمامي متمثلا لعياني في هذه الصورة او تلك على حسب ما يوحيه الحديث او الذكرى في شتى مراحل الجهاد واطوار العمر".
يضيف صدقي:"وللعقاد صور كثيرة كلها في لوحة ذهني وان كان بعضها يستولي على ذهني أكثر من غيره ويلازمني وأعني بهذا البعض من صوره الأثيرة عندي تلك الصورة التي كنت اراه عليها في مطلع القرن العشرين وأنا في ذلك الحين شاب من شباب الجيل المتحمسين لمطلع الأدب الجديد وكنت فيما اعتقد اشدهم تحمسا للعقاد فهو وقتئذ بطل الأدب وعملاقه في نظري".
وعبر سلسلة صور للعقاد تبدأ بصورته وهو في فتوة الشباب الأول عام 1902 مرورا بعام 1919 ومنتصف عشرينيات القرن العشرين ثم منتصف الثلاثينيات مع صورته الشهيرة كنائب تحت قبة البرلمان.
ويمضي عبد الرحمن صدقي في تحليله البديع لشخصية العقاد العملاق حتى صوره الأخيرة عندما تجاوز السبعين..ان الصور في تعبيرها عن شخصية العقاد في مختلف مراحل حياته وفي جميع حالاتها تعادل في دلالتها بل قد تفوق ما يمكن ان ترويه سيرته العامة والخاصة فيما اراد الحظ لنا ان نحتفظ للعقاد بكل ما يدل على شخصيته "فهذا هو بملامحه الجسمية في صوره الشمسية ماثل لعياننا وهذا هو بسماته النفسية في العدد العديد من كتبه ممثل في اذهاننا".