• سنار عاصمة الثقافة
    سنار عاصمة الثقافة


تقرير - عماد المعاملي وعمر عسر

اختارت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" مدينة "سنار" السودانية عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2017، استنادا لقرارات المؤتمر الإسلامي السادس لوزراء الثقافة بالدول الأعضاء، والذي عقد في باكو بجمهورية أذربيجان في أكتوبر من عام 2009، وتم فيه اعتماد لائحة عواصم الثقافة الإسلامية للفترة من 2015-2024.
وتقع مدينة سنار في الجزء الجنوبي من السودان، وتعد مملكة سنار أو السلطنة الزرقاء أو الدولة السنارية، أو مملكة الفونح، التي يلطق على رعاياها لقب "السنانير" أول دولة عربية إسلامية في السودان، بعد انتشار الإسلام واللغة العربية، وامتد سلطانها ونفوذها لأكثر من ثلاثة قرون، وتربع على حكمها سلسلة من الحكام الأقوياء من أمثال عبد الله جماع وعمارة دنقس، وقد أسسا أقوى حلف كنموذج يحتذى في الوحدة الوطنية.
واهتم ملوك سنار بالعلم، حيث أقاموا “رواق السنارية” في الأزهر الشريف بالقاهرة، من أجل طلاب مملكة سنار المبتعثين إلى هناك وشجعوا هجرة علماء الدين الإسلامي إلى السودان، للدعوة ونشر العلم، وتبلورت فيها الثقافة الأفروعربية.
وتنطلق غدا الجمعة احتفالات "سنار عاصمة الثقافة الإسلامية عام 2017" بمشاركة دولية واسعة، وحضور أفواج من كافة الولايات السودانية، ويشهدها النائب الأول للرئيس السوداني، رئيس مجلس الوزراء القومي، الفريق أول ركن بكري حسن صالح، وتبدأ الاحتفالية بوصول الوفود الخارجية والداخلية ، حيث يجسد التقاؤهم حركة التحالف التاريخي الذي نشأت بموجبه الدولة السنارية، في مشهد يعكس الطبيعة التصالحية للمجتمع، والهوية السودانية الجامعة الحاثة على الحوار بين العناصر الثقافية، في ظل الروح الإسلامية، ويؤم الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ إمام المسجد النبوي، صلاة الجمعة في مسجد سنار.
ويبدأ برنامج الاحتفال، بالتقاء موكبين من ولايتي الخرطوم والنيل الأزرق في رمزية لتلاحم مكونات مملكة سنار، ويتضمن عددا من الكرنفالات والأناشيد والأغاني والأشعار والبانوراما والمسرحيات التمثيلية، التي تحكي وتجسد تاريخ سنار، وكيف كانت مثالا للتنوع والتسامح، بمشاركة 1200 متطوع من الشباب السوداني فتيان وفتيات.
وقال أمين عام مشروع سنار عاصمة للثقافة الإسلامية 2017، أحمد عبد الغني حمدون - لوكالة أنباء الشرق الأوسط بالخرطوم - إن الدولة والحكومة السودانية أولت هذا المشروع والاحتفاء به اهتماما كبيرا، بدأ بتشكيل لجنة قومية عليا يرأسها النائب الأول لرئيس الجمهورية وتضم 43 عضوا آخرين من الوزراء والقيادات الاتحادية والشخصيات العامة الثقافية والعلمية، لإنجاح هذا الحدث، وحتى يخرج بصورة تليق مع تاريخ الدولة السنارية.
وأضاف أن التخطيط للمشروع بدأ خلال عامي 2012 و2013، وبدأت الإجراءات التنظيمية الفعلية عام 2014، وتم اعتماد الميزانية العامة للمشروع، والتي جاءت عملية وطموحة تتسق وأهداف الاحتفال.
وأشار إلى أنه على ضوء الرمزية التي تمثلها سنار ، فقد تم التخطيط للاحتفاء بها ليشمل مختلف المواقع والمناطق والمدن ذات الدلالة الثقافية والإسلامية في السودان، مثل دنقلة، الدامر، سواكن، حلفاية الملوك، العيلفون،أربجي، بربر، تقلي، الفاشر، وغيرها من المدن التي كانت بؤرة ضوء للإشعاع العلمي والإسلامي في مختلف الحقب،لإلقاء الضوء على عمق وخصوصية الثقافة السودانية.
وتابع أنه تم تنفيذ عدد من المشروعات الثقافية والسياحية، التي يقتضيها نجاح المشروع في سنار، وشملت ترميم الأبنية والصروح التاريخية ومواقع التراث الإسلامي بالمدينة، وتتضمن مسجد سنار العتيق، نزل السلطان بادي، القرية التراثية، متحف السلطنة السنارية، قاعة المؤتمرات، المسرح المفتوح، المسرح المغلق والمركزين الثقافي والإعلامي.
وقال إن المحور العلمي يعد أحد أهم عناصر المشروع، ويشمل مشروع "كتاب سنار " الذي يضم 350 عنوانا، ما بين التأليف وإعادة الطبع والتحقيق، بالإضافة إلى كتاب الطفل، وعمل خارطة للمزارات الدينية، ومجموعة من المسوحات العلمية الأثرية والتاريخية واللغوية والفولكلورية، بجانب تنظيم عدد من الورش والمؤتمرات، والكشوفات والحفريات الأثرية، فضلا عن حصر وتوثيق ودراسة الأوقاف السنارية، وجمع المقتنيات والمخطوطات والمؤلفات التاريخية بالداخل والخارج، منوها إلى تنفيذ ذلك بالتعاون مع الأكاديميين والجامعات السودانية، بهدف تاسيس مرجعية وطنية تستهدي بها الأجيال القادمة.
ونوه الأمين العام إلى حزمة من الأنشطة والبرامج الثقافية والدينية، يتم تنفيذها طوال عام 2017، ومنها المسرح المتجول الذي يجوب مختلف المدن السودانية، وأسبوع سنار الذي يطوف كل الولايات، بالإضافة إلى المهرجانات والمعارض الفنية والدينية والمسابقات الفنية والأدبية ومعارض الكتاب، وغيرها من المناشط الدينية والسياحية والثقافية، التي تنتظم في سنار والمدن الأخرى طوال العام الجاري.
وقال: نسعى في هذه الاحتفالية لإبراز البعد القومي السوداني بجناحيه العربي والإفريقي، ونريد إبراز الدور التاريخي والثقافي للسودان ، وإقامة مدينة نموذجية على نمط مدينة سنار القديمة، أو ما يعرف بالقرية التراثية، لإنعاش الحياة السياحية والاقتصادية، بحيث تكون هذه القرية مقصدًا للزوار والسيّاح من كل أنحاء العالم، من خلال إعادة تصنيع المنتجات اليدوية التي اشتهرت بها الدولة السنارية، والمنتجة من الطين و الألياف النباتية.
وأوضح أن مدينة سنار تضم العديد من الآثار، مثل قصر السلطان والمسجد الكبير وحوش الحريم، واشتهرت مملكة الفونج بالقباب المطلية باللون الأبيض، ذات التنوّع المذهل من الأشكال، التي توضح الأصالة والتفرد في البناء والارتباط الوثيق بالبيئة والمناخ .
من جانبه، قال وزير الثقافة السوداني، الطيب حسن بدوي إن مشروع سنار عاصمة للثقافة الإسلامية يعتبر ثاني أكبر مشروع بالبلاد بعد الحوار الوطني، وأنه كشف العديد من المعارف التي لم تظهر للمواطنين من قبل ،وتعكس تاريخ الدولة السنارية العظيم،من أجل ترسيخ الصورة الموروثة لسنار في أذهان القادمين إليها من أطراف العالم ليجدوا الوحدة السياسية والاجتماعية مع التنوع الثقافي والتراثي.
وأضاف أن الاحتفاء بسنار عاصمة للثقافة الإسلامية هذا العام هو احتفالية لمختلف المواقع والمناطق والمدن ذات الدلالات الثقافية والإسلامية في الالوحدة،والتي يشملها الفضاء الحضاري السنار.
وأكد أن الخطوات التي بذلت في المشروع، ستقطف البلاد ثمارها بعد انتهائه، من إبراز حقيقة الثقافة السودانية وسطية ومتصالحة مع الآخر، وتكفل التعايش السلمي، بجانب الاستفادة من فعاليات المشروع في تعزيز التعاون والشراكة مع الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، فضلا عن تنمية السياحة الثقافية وتأهيل البنيات التحتية لولاية سنار.
يذكر أن مشروع عاصمة الثقافة الإسلامية يسند سنويا إلى ثلاث مدن إسلامية عريقة واحدة عن كل من المناطق الإسلامية الثلاث: العالم العربي وإفريقيا وآسيا، تضاف إليها العاصمة التي تستضيف المؤتمر الإسلامي لوزراء الثقافة الذي ينعقد كل عامين ، وتمتد الاحتفالات والتظاهرات على مدى عام كامل، وتم الاتفاق على تنفيذ هذا المشروع منذ عام 2001 في المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء الثقافة ، وتم اعتماده في مؤتمرهم الرابع .
ويهدف المشروع وبرامجه المصاحبة، إلى نشر الثقافة الإسلامية وتجديد مضامينها وإنعاش رسالتها ، وتخليد الأمجاد الثقافية والحضارية للمدن التي تختار كعواصم ثقافية إسلامية، بالنظر لما قامت به في خدمة الثقافة والآداب والفنون والعلوم والمعارف الإسلامية، بجانب تقديم الصورة الحقيقية للحضارة الإسلامية ذات المنزع الإنساني، إلى العالم أجمع من خلال إبراز المضامين الثقافية والقيم الإنسانية لهذه الحضارة، بالإضافة إلى تعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات، وإشاعة قيم التعايش والتفاهم بين الشعوب في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها العالم، وتستدعي من المجتمع الدولي تضافر الجهود على كافة المستويات من أجل إنقاذ الإنسانية مما يتهددها من مخاطر جمة.